وثالثها أن أحوال النفس أضداد أحوال البدن وذلك لأن النفس إنما يفرح ويبتهج بالمعارف الإلهية كما يدل عليه الوجدان وقوله تعالى: ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
وقول النبي ص: أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ولا شك أن ذلك الطعام والشراب ليس إلا عبارة عن المعرفة والمحبة والاستنارة بأنوار عالم الغيب وأيضا الإنسان بسبب الاستبشار بأمر عظيم كالفوز بخدمة السلطان وبالوصول إلى خدمة معشوق ينسى الطعام والشراب بل لو كلف لوجد من قلبه نفرة شديدة منه والعارفون المتوغلون في معرفة الله قد يجدون من أنفسهم أنه إذا لمحت لهم شيء من تلك الأنوار لم يحسوا البتة الجوع والعطش.
وبالجملة فالسعادات النفسانية كالمضاد للسعادات الجسمانية وكل ذلك يغلب على الظن بأن النفس مستقلة بذاتها لا تعلق لها بالبدن ومتى كان كذلك وجب أن لا يموت بموت البدن.
ذكر تنبيهي ومما يدل على بقاء النفس بعد فساد البدن اتفاق أصحاب الشرائع والملل على ذلك إذ ما من ملة إلا وفيها وعد ووعيد أخرويان في الأفعال والأعمال الحسنة والقبيحة.
ويدل عليه أيضا فعل الأنبياء ص وخلفائهم ومن يرى مثل رأيهم من الفلاسفة والبراهمة لأنهم يتهاونون بأمر الأجساد إذا انبعث النفوس وإنما يرون أن هذه الأبدان المظلمة الكثيفة حبس النفوس أو الحجاب لها ويرون أن هذه الأجساد بمنزلة البيضة للفرخ والمشيمة للجنين والدنيا بمنزلة الرحم والطبيعة حاضنها والنفوس هي بمنزلة النطف الدافقة من صلب القضاء الإلهي في أرحام الطبائع والموت الطبيعي هو الولادة المعنوية للنفوس في النشأة الآخرة وملك الموت هي قابلة الأرواح