كيف والوهم ينكر نفسه وينكر القوى الباطنة وإن لم يجحد آثارها.
فإذا لم يكن للوهم الذي هو رئيس سائر القوى الجزئية سبيل إلى إدراك نفسه وإدراك القوى الباطنة فكذلك حال سائر المدارك الجزئية.
فالمدارك للقوى الخادمة والجزئيات المرسومة فيها والكليات المنتزعة عن تلك الجزئيات إنما هي النفس الناطقة بنفس تلك الأمور لا بصور أخرى.
وذلك لاستقلالها وتجردها وكونها من عالم الأمر وأفق التأثير وتسلطها على البدن وقواه لكونها مؤثرة فيه بالتحريك والتربية.
وكلما كانت أشد تجردا وأقوى سلطنة على البدن وقواها كان إدراكها أتم وحضور قواها عندها أشد وظهور الصور الإدراكية لها أقوى.
ولو كانت ذات سلطنة على غير بدنها كما على بدنها لأدركته أيضا بمجرد الإضافة الإشراقية القهرية من دون احتياج إلى قبولها لصورة ذلك الشيء وانفعالها عنها.
فالقبول جهة النقص والقهر جهة الشرف.
ونحن إنما احتجنا إلى الصورة في بعض الأشياء كالسماء والكواكب وغيرها لأن ذواتها كانت غائبة عنا غير مقهورة لنا فاستحضرنا صورها حتى لو كانت هي حاضرة لنا كحضور آلاتنا لما احتجنا إلى صورة.
فإذا تحقق وتبين أن النفس غير غائبة عن ذاتها ولا عن قواها ولا الصور المتمثلة في قواها محجوبة عنها ولا بدنها الجرمي مختلف عليها لكونها نورا لذاتها فالوجود البحت المتمجد الواجبي إذ هو في أعلى مرتبة النورية والتجرد والتقدس عن شوب ما بالقوة وله إضافة الجاعلية التامة إلى ما سواه وله السلطنة العظمى والقهر الأتم والجلال الأرفع لا جرم يعلم ذاته ويعلم العقول والأجرام وقواها وما يحلها وما يتمثل لها بمجرد الإضافة المبدئية والإحاطة الشهودية.
فكما أن علمه بذاته لا يزيد على ذاته كذلك علمه بالأشياء غير زائدة على حضور ذواتها.
والعقول القادسة والذوات الجرمية سواسية الحضور لديه والمثول بين يديه بذواتها وأعيانها حضورا عقليا نوريا.
وأيضا قد سبق أن كل ما هو كمال مطلق للموجود من حيث هو موجود فيجب له تعالى.
وإذا صح العلم الإشراقي الوجودي لا بصورة وأثر بل بمجرد إضافة خاصة للنفس.
ففي واجب الوجود أولى وأتم.
فيدرك ذاته لا بأمر زائد على ذاته ويعلم