والمشاؤون وغيرهم لما لم يتيسر لهم ما تيسر للشيخ الإلهي ولم يظفروا بهذه القاعدة العظيمة تراهم صاروا كالمبهوتين في علم الله تعالى.
فمنهم من نفاه وضل ضلالا مبينا.
ومنهم من جعله صورا معقولة قائمة بذواتها.
ومنهم من قال باتحاد الواجب بالمعقولات.
والشيخ الرئيس لما كان العلم بالغير عنده بالصور العقلية تراه في كتاب الشفا متحيرا في ذلك فتارة يقول إن صور جميع الموجودات التي بها علم واجب الوجود تعالى لا يجوز أن يكون في ذاته الوحدانية.
وتارة يجعلها في بعض الموجودات.
وتارة يقول فيكون في صقع من الربوبية..
ولا يفهم أحد ما هذا الصقع الذي فيه صور جميع الموجودات.
وتارة يلتزم أن هذه الصور في ذات الواحد الحق من غير لزوم تكثر لأنها كثرة خارجة عن الذات لاحقة لا داخلة في حقيقته.
ولما تفطن الشارح لكتاب الإشارات وهو العلامة الطوسي رحمه الله أن إثبات الصور في ذات الله تعالى قول فاسد ومذهب باطل حاول طريقة أخرى لتصحيح مسألة العلم مع معاهدته نفسه على أن لا يخالف الشيخ.
فقال: العاقل كما لا يفتقر في إدراكه لذاته إلى صورة غير ذاته التي هو بها هو كذلك لا يفتقر في إدراكه لما يصدر عن ذاته إلى صورة غير صورة ذلك الصادر الذي بها هو هو.
واعتبر من نفسك أنك تعقل شيئا بصورة تتصورها أو تستحضرها فهي صادرة عنك لا بانفرادك مطلقا بل بمشاركة ما من غيرك ومع ذلك فأنت تعقلها بذاتها لا بصورة أخرى.
لامتناع تضاعف الصور إلى غير النهاية.
فإذا كان حالك مع ما يصدر عنك بمشاركة غيرك هذا الحال فما ظنك بحال العاقل مع ما يصدر عنه لذاته من غير مداخلة غيره فيه وليس من شرط كل ما يعقل أن يكون المدرك محلا للصور المعقولة.
فإنك تعقل ذاتك مع أنك لست بمحل لها.
بل محليتك لها من شروط حصولها لك الذي هو مناط عقلك إياها فإن حصلت هي لك على جهة أخرى سوى الحلول لعقلتها من غير حلول فيك.
فإذن