يصدر عن الواجب تعالى منكشفة عنده فلا يعزب عنه شيء من الأشياء لا باعتبار الشهود العيني ولا باعتبار الثبوت الذهني كما قال الله تعالى: لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات و لا في الأرض. إشارة إلى النحو الأول. وقال تعالى: و لا أصغر من ذلك و لا أكبر إلا في كتاب مبين. إشارة إلى النحو الثاني.
فإن قيل: فعلى ما ذكرت يلزم أن يكون للواجب علم لا يتغير وهو علمه بالأمور المتقدمة على الزمان والدهر. وعلم يتغير وهو علمه بالأمور الكائنة الفاسدة. والتغير في علمه تعالى مطلقا غير صحيح.
قلنا: هذه الأشياء وإن كانت في ذواتها وبقياس بعضها إلى بعض متغيرة. لكنها بالنسبة إلى العوالي وما هو أعلى منها في درجة واحدة في الحضور كما مرت الإشارة إليه سابقا.
ومنهم من ارتكب التغير في حضور الأشياء الكائنة الفاسدة وشهودها عند الواجب تعالى معتذرا بأن هذا التغير لا يوجب تغيرا في الذات ولا في العلم الكمالي الذاتي بل التغير إنما يكون في النسب والأوصاف الاعتبارية.
ومثل ذلك مثل من اطلع على ما في كتاب دفعة ثم التفت إلى صفحة بعد صفحة. فإن العلم بما في الكتاب لا يتغير بحدوث تلك الالتفاتات (هذا) والعمدة ما ذكرناه أولا.
فقد ثبت وتحقق من تضاعيف ما ذكرنا أن القول بإثبات الصور للواجب وتقرير رسوم المدركات فيه قول فاسد ورأي سخيف وتجاسر في حق المبدإ الأعلى جل كبرياؤه عن ذلك وعلا علوا كبيرا.
وأما مذهب الشيخ الإشراق ومتابعيه في علمه تعالى فليعلم أنه أقرب إلى الحق من الأقوال السابقة وأقلها مفسدة وهو إثبات العلم له تعالى على قاعدة الإشراق.
مبناها على أن علمه تعالى بذاته هو كونه نورا لذاته.
وعلمه بالأشياء الصادرة عنه هو كونها ظاهرة له. إما بذواتها كالجواهر والأعراض الخارجية أو بمتعلقاتها التي هي