بالاعتبار الثاني. فإن فاعليته تعالى كونه بحيث يتبع وجوده وجود جميع الأشياء الموجودات وعالميته كونه بحيث ينكشف له الأشياء. وعلى هذا فقس الصفات الكمالية له فكما أن فاعليته الحقيقية لا يتوقف على وجود الفعل لأن وجود الفعل يتوقف على كونه فاعلا فلو كان بالعكس أيضا لزم الدور.
فوزانه في علمه تعالى أن يجعل المعلوم تبعا للعلم لا العلم تبعا للمعلوم.
الثاني ما أفاده المحقق الطوسي وتصدى لتبين مفاسد القول بارتسام صور الأشياء في ذاته تعالى من أنه لا شك في أن القول بتقرير لوازم الأول في ذاته قول بكون الشيء الواحد فاعلا وقابلا معا.
وقول بكون الأول موصوفا بصفات غير إضافية ولا سلبية.
وقول بكون الله تعالى محلا لمعلوماته الممكنة المتكثرة تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وقول بأن المعلول الأول غير مباين لذاته تعالى.
وبأنه لا يوجد شيئا مما يباينه بذاته بل بتوسط الأمور الحالة فيه إلى غير ذلك مما يخالف الظاهر من مذاهب الحكماء والقدماء القائلين بنفي العلم عنه تعالى. وأفلاطون القائل بقيام الصور المعقولة بذاتها والمشاؤون القائلون باتحاد العاقل والمعقول والمعتزلة القائلين بثبوت المعدومات إنما ارتكبوا تلك المحالات حذرا من التزام هذه المعاني.
أقول: في كلام ذلك المحقق نظر أما في التزامه كون ذات الباري على التقدير المذكور فاعلا وقابلا فهو إن أراد بالقبول مطلق اتصاف اللزومي فبطلانه ممنوع على ما مر سابقا وظني أنه ما نهض شيء من الدلائل المشهورة على بطلان كون البسيط فاعلا وقابلا.
إلا أن يراد بالقبول الانفعال التجددي أو التأثر من الغير لانتقاضها بلوازم الماهيات البسيطة كما مضى ذكره.
وحينئذ فلا فرق بين وجودها فيها ووجودها عنها.
فلوازمه تعالى التي هي معقولاته إنما هي عنه وفيه بلا تفاوت.
وإن أراد معنى الآخر فلزومه غير مسلم لكونه غير بين ولا مبين. وأما التزام اتصافه تعالى بصفات حقيقية فهو إنما يتأتى لو كانت الصور العقلية القائمة بذاته تعالى صفات كمالية له بل قالوا إن ذاته تعالى وإن كانت محلا لتلك الصور العلمية لكن لا يتصف بها ولا يكون هي كمالات لذاته تعالى وليس علو الأول ومجده بعقله للأشياء بل بأن يفيض عنه