مواضع الشعور للأشياء الإدراكية مستمرة كانت كما في المدبرات العلوية الفلكية عقولها أو نفوسها أو غير مستمرة كما في القوى الحيوانية النطقية والخيالية والحسية.
فعلمه تعالى محض إضافة إشراقية عنده.
فواجب الوجود مستغن في علمه بالأشياء عن الصورة وله الإشراق والتسلط المطلق.
فلا يحجبه شيء عن شيء فلا يحجب عنه شيء.
وعلمه وبصره واحد وعلمه يرجع إلى بصره لا أن بصره يرجع إلى علمه كما في غير هذه القاعدة ونوريته نفس قدرته.
فإن النور فياض لذاته بمعنى أن علمه بالأشياء نفس إيجاده لها كما أن وجود الأشياء عنه نفس حضورها لديه.
فله إضافة الكمالية إلى جميع الأشياء فقط بها يصحح جميع الإضافات كالعالمية وغيرها. إذ هي عينها في التحقيق.
فهذا مذهبه في علم الله تعالى.
وبيانه على ما جرى بينه وبين إمام المشائين في الخلسة الملكوتية إنما يتأتى بأن يبحث الإنسان أولا في علمه بذاته وعلمه بقواه وآلاته. ثم يرتقي إلى علم ما هو أشد تجردا بذاته وبالأشياء الصادرة عن ذاته. فيعلم منه أن علم المبدإ الأعلى ليس بالصور مطلقا بل بالمشاهدة الحضورية إذ قد تحقق أن النفس غير غائبة عن ذاتها. وإدراكها لذاتها لا يزيد على ذاتها. وإلا لم يشر إلى ذاتها ب (أنا).
إذ كل صورة زائدة عليها وإن كانت قائمة بها فهي بالنسبة إليها (هو) لا (أنا) وأيضا لم يكن إدراكها لذاتها على الوجه الجزئي.
إذ كل صورة ذهنية وإن تخصصت بمجموع كليات فهي لا يمتنع لذاتها الكلية والمطابقة للكثرة.
ثم إن إدراك النفس لبدنها ووهمها وخيالها إنما يكون بنفس هذه الأشياء لا بصور زائدة عليها مرتسمة في النفس لأن الصور المرتسمة فيها كلية فيلزم أن يكون النفس محركة لبدن كلي ومستعملة لقوى كلية.
وليس لها إدراك بدنها الخاص وقواها الخاصة وهو ليس بمستقيم.
فإنه ما من إنسان إلا ويدرك بدنه الجزئي وقواه الجزئية والنفس يستخدم المتفكرة في تفصيل الصور الجزئية وتركيبها حتى ينتزع الطبائع من الشخصيات وتستنبط النتائج من المقدمات وحيث لم يكن للقوة الجزئية سبيل إلى مشاهدة ذاتها لعدم حضورها عند نفسها. فإن وجودها في نفسها وجودها لمحلها لا لنفسها كما مر بيانه.