إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فإنه يعقل ذاته وما يوجبه ذاته ويعلم من ذاته كيفية الجزئية في الكل فيتبع صور الموجودات الخارجية الصور المعقولة عنده على نحو النظام المعقول عنده فالعالم الكياني بإزاء العالم الرباني والعالم الرباني عظيم جدا والعالم الرباني بإزاء العالم الربوبي فالعالم الربوبي عظيم جدا.
وربما يستدل على كون علمه تعالى بالأشياء بالصور الحاصلة في ذاته بأنه تعالى يعلم ذاته وذاته سبب تام للأشياء والعلم بالسبب التام للشيء يوجب العلم بذلك الشيء فذاته تعالى يعلم جميع الأشياء أزلا.
ففي الأزل إن لم يكن للأشياء وجود أصلا لا عينا ولا صورة لم يتحقق العلم بها إذ العلم يستدعي التعلق بين العالم والمعلوم سواء كان نفس التعلق والإضافة أو صفة موجبة لهما.
والتعلق بين العاقل والمعدوم الصرف محال لاستيجاب النسبة تحقق الطرفين بوجه لكن يمتنع تحقق العالم في الأزل بالوجود الخارجي وإلا لزم قدم الحوادث.
فبقي كونها موجودة بالوجود الصوري عند الباري قبل وجودها العيني لا بوجود مباين عن ذاته ليلزم المثل الأفلاطونية بل بوجودات قائمة بذاته تعالى وهو المراد.
وفيه أنه منقوض بالقدرة الإلهية الأزلية المتعلقة بالحوادث المقتضية لنسبة ما بين القادر والمقدور مع عدم توقفها على وجود المقدور ضرورة واتفاقا.
واعترض عليه بعض الأزكياء بأن مثل هذه النسبة لا يقتضي وجود الطرفين تحقيقا بل يكفي فيها الوجود التقديري إذ النسبة في التحقيق تقديرية.
ثم قال: فالوجه أن يقال النسبة وإن لم يقتض تحقق الطرفين بالفعل لكن تحقق العلم يقتضيه لأن العلم يستلزم انكشاف المعلوم عند العالم والمعدوم الصرف لا تميز له أصلا. انتهى.
أقول: إن الفرق بين القدرة والعلم في حق الله تعالى بكون أحدهما يستدعي التعلق دون الآخر غير صحيح لما سبق من كون صفاته الحقيقية كلها معنى واحدا