يتحير عليه الضوء في مشاهدة للطريق فتلك الريح كمتابعة الهوى في فروع الشريعة وهي المعاصي التي لا يكفر بها الإنسان ولا تقدح في توحيده وإيمانه فلقد خلقنا لأمر عظيم ولكن إذا اقتحمنا هذه الشدائد وقاسينا هذه المكاره حصلنا على أمر عظيم وهو سعادة الأبد التي لا شقاء فيها ومما يتضمن هذا المنزل علم الوقت الذي يصحبه فيه القرينان من الملك والشيطان فاعلم إن الإنسان إذا خلقه الله في أمة لم يبعث فيها رسول لم يقترن به ملك ولا شيطان ويبقى يتصرف بحكم طبعه ناصيته بيد ربه خاصة فكل ما يمشي فيه في ذلك الوقت فهو على صراط مستقيم فإن ربه على صراط مستقيم قال تعالى ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم فإذا بعث فيهم رسول أو خلق في أمة فيهم رسول لزمه من حين ولادته قرينان ملك وشيطان من حين يولد لأجل وجود الشرع وأعطى كل واحد من القرينين لمة يهمزه ويقبضه بها ولا تقل إن المولود غير مكلف فلما ذا يقرن به هذان القرينان فاعلم إن الله ما جعل له هذين القرينين في حق المولود وإنما ذلك من أجل مرتبة والديه أو من كان فيهمزه القرين الشيطاني فيبكي أو يلعب بيده فيفسد شيئا مما يكره فساده أبوه أو غيره فتكون تلك الحركة من المولود الغير مكلف سببا مثيرا في الغير ضجرا وتسخطا كراهة لفعل الله فيتعلق به الإثم فلهذا يقرن به الشيطان لا لنفسه وكذلك الملك وهو كل حركة تطرأ من المولود مما تثير في نفس الغير أمرا موجبا للشر أو للخير فإن كان شرا فمن الشيطان وإن كان خيرا فمن الملك وليس للصبي الصغير قط حركة نفسية ولا ربانية حتى يدرك وإن لم يكن في أمه لها شرع فحركته كلها نفسية من حال ولادته إلى أن يموت ما لم يرسل إليه رسول أو يدخل هو في دين إلهي يتقيد به أي دين كان مشروعا من الله أو غير مشروع حينئذ يوكل به القرينان إذ لم يكن للعقل أن يشرع القربات وإن كان على مكارم الأخلاق المعتادة في العرف المحبوبة بالطبع التي يدركها العقل ولكن لا يحكم عليها بحكم أصلا يقطع به على الله وليس له حكم في إثبات الآخرة ولا نفيها لكن هو متمكن بعقله من النظر في إثبات موجدة ولمن يستند في وجوده وما ينبغي أن يكون عليه موجدة من الصفات وما ينبغي أن يعظه به من نعوت الجلال لكن لا على جهة المنزلة الأخراوية عنده ولا يعرف بعقله ما يصير إليه بعد الموت ولا يدري هذا المدبر لبدنه ما هو ولا أين يذهب من الميت إذا مات ولولا إن الأمر من آدم كان ابتداؤه بالنبوة فأخبر بما هنالك ففطنت العقول حيث أعلمت مال هذه النفوس فذلك الذي حرضها على البحث والنظر في ذلك وحشر النفوس بعد الموت إلى أين يكون وكيف يجمع وصورة ما ينتقل به وإليه وهل تنتقل مدبرة لمواد أخر أو تتجرد عن المادة وهل كان لها وجود قبل تسوية البدن في التكوين أم حدثت بحدوث البدن ووقفوا على حكم تأثيرات في العالم فراقبوا الأفلاك وحركات الكواكب ورأوا حدوث الآثار عند تلك الحركات عن تكرار فعلموا إن ثم نسبة بين هذا الأثر وتلك الحركات وأما ما لم تدرك الأعمار تكراره فذلك بإعلام النبي عليه السلام الذي كان في زمانهم أتاهم بما أعلمه الله وأطلعه على ما اختزنه في تلك الحركات العلوية من الآثار العنصرية وأعلمهم حكمها في الدنيا والآخرة وليس مثل هذا كله من مدركات العقول من غير موقف فلو لا التعريف الإلهي في هذه الدار والدار الآخرة ما عرف أحد شيئا مما هنالك واعلم أن كل مخلوق ما سوى الإنس والجان مفطورون على تعظيم الحق والتسبيح بحمده وكذلك أعضاء جسد الإنس والجان كلها ولكن لا على جهة التقريب وابتغاء المنزلة العظمى بل التسبيح لهم كالأنفاس في المتنفسين لما تستحقه الذات وهكذا يكون تسبيح الإنس والجان في الجنة والنار لا على طريق القربة ولا ينتج لهم قربة بل كل واحد منهم على مقام معلوم فتصير العبادة طبيعية تقتضيها حقائقهم ويرتفع التكليف ولا يتصور منهم مخالفة لأمر الله إذا ورد عليهم ولا يبقى هنالك نهي أصلا بعد قوله لأهل النار اخسئوا فيها ولا تكلمون وكلامنا إذا نزل الناس منازلهم في كل دار وغلقت الأبواب واستقرت الداران بأهلها الذين هم أهلها وارتفع شأن أرض الحشر وعادت كلها نارا وصار كل ما تحت مقعر فلك الكواكب الثابتة إلى منتهى أسفل سافلين دارا واحدة تسمى جهنم تحوي على حرور وزمهرير وبينهما برازخ يكون فيها التكوينات في الجلود التي يقع فيها التبديل عند الإنضاج خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض يريد المدة التي كانت الأرض عليها من يوم خلقها الله إلى يوم التبديل وكانت العرب التي نزل القرآن بلسانها تطلق هذه
(٦٨٨)