اللفظة ونريد بها التأييد وهي منقطعة بالخبر الإلهي وتعريف النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما شاء ربك بما يرزقون في النار من اللذة والنعيم بها إن ربك فعال لما يريد وفي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض من حيث جوهرهما لا من حيث صورتهما ولهذا قال عطاء غير مجذوذ أي غير مقطوع ويقع الاستثناء في قوله إلا ما شاء ربك من زوال صورتهما إذ كانت السماء سماء والأرض أرضا فإنا نعلم أن جوهر السماء هو جوهر الدخان وتبدلت عليه الصور فالجوهر الذي قبل صورة الدخان هو الذي قبل صورة السماء كما قبل جوهر الطين والحجر صورة البيت فإذا تهدم البيت ويبس الطين ذهبت صورة البيت والطين وبقي عين الجوهر وكذلك العالم كله بالجوهر واحد وبالصور يختلف فاعلم ذلك فيكون الاستثناء في حق أهل النار لمدة عذابهم ويكون الاستثناء في حق أهل الجنة على معنى إلا أن يشاء ربك وقد شاء أن لا يخرجهم فهم لا يخرجون فإن الله ما شاء ذلك بقوله عطاء غير مجذوذ ولم يقل في أهل النار عذابا غير مجذوذ فافهم فإن الخبر الصحيح المتواتر قد ورد فقال تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ووصف السماء بأنها تصير كالدهان ووصفها بالانشقاق وإنها تمور وقال تعالى فكانت وردة كالدهان أي مثل الدهن الأحمر في اللون والسيلان فهذا كله إخبار عن ذهاب الصورة لا ذهاب الجوهر ومما يتضمن هذا المنزل علم ما أراد الله من الإنسان أن يشتغل به في حال اعتباره وتفكره لما يؤديه ذلك النظر إليه من المعرفة بخالقه لا بربه فإنه لكل اسم من أسماء الله في العالم دليل خاص لا يدل على غيره من حيث هو دليل عليه ومن هنا تعلم أن الأرض خلقت من تموج الماء حتى أزبد فكان ذلك الزبد عين الأرض لأنه انتقل من المائية إلى الزبدية وفي الزبد يكون الأرض وهذا هو السبب في اختراق الصالحين لها وجلوس الميت في قبره مع ردم الأرض عليه وحكم كل ما خلق منها حكمها وحكمها حكم الزبد وحكم الزبد حكم الماء والماء يقبل الخرق وتحرك الأشياء فيه فيجري حكم هذا الأصل في جميع ما وجد عنه سواء كثف كالأرض أو سخف كالهواء والنار لكن النار للماء بمنزلة ولد الولد والأرض للماء بمنزلة الولد والهواء والزبد للماء بمنزلة أولاد الصلب فالماء لهما أب وهو للنار جد من جهة الهواء وللأرض جد من جهة الزبد فبين خلق آدم والماء وجود التراب الزبد فهو ولد ولد الولد من حيث كثافته وكذلك بما فيه من النار وبما فيه من الهواء هو ولد الولد وأما خلق حواء فبينها وبين الأصل ثلاثة آدم والتراب والزبد فهي أبعد من الأصل وأما خلق بني آدم فهم أقرب إلى الأصل من آدم فإنهم مخلوقون من الماء فهم من الماء مثل الزبد فهم أولاد الماء لصلبه والزبد أخ لبني آدم وهو جد لآدم وأب للأرض فبنوا آدم أعمام للأرض فتكون منزلة آدم من بنيه منزلة ابن الأخ من عم أبيه ويكون بنو آدم من آدم بمنزلة عم أبيه فهم أولاده وهو ولد ابن أخيهم فهم في الإسناد من هذا الوجه أقرب إلى السبب الأول وهو الجد الأعلى إلا بما في آدم من الماء الذي صار به التراب طينا ففيه إلحاق بولد الصلب بمنزلة من نكح امرأة وهي حامل من غيره فسقى زرع غيره فله فيه بما حصل له من ذلك السقي نصيب وأما خلق عيسى عليه السلام فبينه وبين الماء أمه وحواء وآدم والأرض والزبد إلا من وجه آخر فهو يشبهنا وقليل من يعثر عليه وقد نبه الله على ما أومأنا إليه بقوله فتمثل لها بشرا سويا لما أراد الله فسرت اللذة بالنظر إليه بعد ما استعاذت منه وعرفها أنه رسول الحق ليهب لها غلاما زكيا فتأهبت لقبول الولد فسرت فيها لذة النكاح بمجرد النظر فنزل الماء منها إلى الرحم فتكون جسم عيسى من ذلك الماء المتولد عن النفخ الموجب للذة فيها فهو من ماء أمه وينكر ذلك الطبيعيون ويقولون إنه لا يتكون من ماء المرأة شئ وذلك ليس بصحيح وهو عندنا إن الإنسان يتكون من ماء الرجل ومن ماء المرأة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى أنه قال إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرا وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثا وفي رواية سبق بدل علا فقد جاء بالضمير المثنى في أذكر أو أنثا وقد قلنا في كتاب النكاح لنا في هذا الفصل إن المرأة والرجل إذا لم يسبق أحدهما صاحبه في إنزال الماء وأنزلا معا بحيث أن يختلطا ولا يعلو أحد الماءين على الآخر فإنه من أجل تلك الحالة إذا وقعت على تلك الصورة يخلق الله الخنثى فيجمع بين الذكورة والأنوثة فإن كانا على السواء من جميع الجهات والاعتدال من غير انحراف ماء من أحدهما كان الخنثى يحيض من فرجه ويمني من ذكره فيعطي الولد ويقبل الولد ممن ينكحه وقد روى أنه رؤي رجل ومعه ولدان أحدهما من صلبه والآخر من بطنه وإن انحرف الماء عن الاعتدال
(٦٨٩)