من آثارها العجيبة في حركاتها فعرفوا منها الثابت والمنقلب وذا الجسدين وغير ذلك وإلى الفلك الأطلس ينتهي علم أهل الإرصاد وعلى الحقيقة إنما ينتهي إلى الكوكب فإن حركات الكواكب والكواكب تعين أفلاكها ولولا ذلك ما عرف عددها وأما الفلك الأطلس فما استدلوا عليه من حيث أدركوه حسا كما أدركوا أفلاك لكواكب وإنما علموا إن هذه الأفلاك لا تقطع إلا في أمر وجودي فلكي مثلها فأثبتوه عقلا لا حسا وسموه أطلسا لكونه لا كوكب فيه يعينه للحس ويبطل عليهم هذا الدليل بحركة أقصى الأفلاك فإن حركتها موجودة ولا تقطع في شئ عندهم أصلا فما يدريك يا صاحب الرصد لعل هذا الفلك المكوكب يقطع في لا شئ والحكماء لم يمنعوا أن يكون فوق الفلك الأطلس أفلاك أخر إلا أن الراصد لم يبلغ إليها لأنه ما ثم ما يدل عليها بل هي في حكم الجواز عندهم لكن قالوا إن كان هنالك فلك فلا بد أن يكون له نفس وعقل ومع ذلك لا بد من الانتهاء ومن هذا الفلك وقع الخلاف بيننا وبين الحكماء من الفلاسفة في ترتيب التكوين وما نازعونا فيما فوق الأطلس الذي هو الكرسي والعرش وقالوا بالجواز فيه فترتيب الأمر عندنا بعد الفلك المكوكب ولم يكن مكوكبا عند خلقه وإنما ظهرت الكواكب بعد هذا فيه وفي غيره من السماوات فيها كانت حركة ما ذكرناه من هذه الأفلاك الموجودة الأربعة التي كملت فيها الطبيعة وظهر سلطانها حسا بعد ما كان معقولا فإن المعاني هي أصل الأشياء فهي في أنفسها معان معقولة غيبية ثم تظهر في حضرة الحس محسوسة وفي حضرة الخيال متخيلة وهي هي إلا أنها تنقلب في كل حضرة بحسبها كالحرباء تقبل الألوان التي تكون عليها فأول ما أوجد الأرض وهي نهاية الخلأ وهو أقصى الكثائف والظلم وهو نازل إلى الآن دائما والخلاء لا نهاية له فإنه امتداد متوهم لا في جسم فالعالم كله بأسره نازل أبدا في طلب المركز وهذا الطلب طلب معرفة ومركزه هو الذي يستقر عليه أمره فلا يكون له بعد ذلك طلب وهذا غير كائن فنزوله للطلب دائم مستمر وهو المعبر عنه بطلب الحق فالحق هو مطلوبه وأثر فيه هذا الطلب التجلي الذي حصل له تعشق به فهو يطلبه بحركة عشقية وهكذا سائر المتحركات إنما حركتها المحبة والعشق لا يصح إلا هذا ومن لا يعشق ذلك التجلي وهو المنعوت بالجمال والجمال معشوق لذاته ولولا ما تجلى سبحانه في صورة الجمال لما ظهر العالم فكان خروج العالم إلى الوجود بذلك العشق صل حركته عشقية واستمر الحال فحركة العالم دائمة لا نهاية لها ولو كان ثم أمر ينتهي إليه يسمى المركز يكون إليه النهاية لسكن العالم بعضه على بعض بالضرورة وبطلت الحركة فبطل الإمداد فادى ذلك إلى فناء العالم وذهاب عينه والأمر على خلاف هذا وإنما الناس وأكثر الخلق لا يشعرون بحركة العالم ولأنه بكله متحرك فيبقى الترتيب المشهود من البعد والقرب على حاله فلهذا الشهود يتخيلون سكون الأرض حول المركز ثم أوجد ركن الماء وهو كان الموجود الأول من الأركان وإنما ذكرنا الأرض مقدمة من أجل السفل والماء كان أول العناصر فما كثف منه كان أرضا وما سخف منه كان هواء ثم ما سخف منه كان نارا وهو كرة الأثير فأصل العناصر عندنا الماء ووافقنا على ذلك بعض الناس من النظار في هذا الفن لكن مستندنا الكشف فيما ندعيه من هذا وغيره من العلوم وقد تكون تلك العلوم مما تدرك بالنظر الفكري فمن أصاب في نظره وافق أهل الكشف ومن أخطأ في نظره خالف أهل الكشف والحكماء في هذه المسألة على ستة مذاهب خمسة منها خطأ والواحد منها صواب وهو الذي وافق الكشف والتعريف الإلهي لأهل خطابه من ملك ونبي وولي وكان وجود هذه العناصر ببرج السرطان وما من برج إلا وقد جعل له الله مدة في الولاية معلومة مع المشاركة لغيره في مدته فلجميعها مدة معلومة عندنا نسميها أعني الجملة عمر العالم فإذا انتهت المدد عاد الأمر ابتداء على حاله من الدوام فلا عدم يلحقه أبدا من حيث جوهره ولا يبقى صورة أبدا زمانين فالخلق لا يزال والأعيان قابلة للخلع عنها وعليها فالعالم في كل نفس من حيث الصورة في خلق جديد لا تكرار فيه فلو شاهدته لرأيت أمرا عظيما يهولك منظره ويورثك خوفا على جوهر ذاتك ولولا ما يؤيد الله أهل الكشف بالعلم لتاهوا خوفا فلما حصلت العناصر وهي الأركان الأربعة محلا مهيئا أنوثيا لقبول التناسل والولادة وظهرت الاحتراقات من عنصر النار في رطوبات الهواء والماء صعد منها دخان يطلب الأعظم الذي هو الفلك الأعلى الأقصى فوجد فلك الكواكب يمنعه من الرقي إلى الفلك الأعلى فعاد ذلك الدخان يتموج بعضه في بعض متراكم فريق
(٦٧٧)