الدنيا وما شاكل هذا فإن هذا نص في تضاعف العذاب على مراتبه الذي هو واحد من ذلك ومن عذاب المؤمنين ما سلط الله عليهم من أصحاب الأهواء والكفار من الأسر والعذاب والاسترقاق والقتل في الدنيا كل هذا تكفير لهفوات ومزلات نفسية وحسية على قدر ما وقع منهم وما يقع هذا من الكفار بالمؤمنين إلا لأجل إيمانهم قال تعالى يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا فإن وما بعدها بتأويل المصدر كأنه يقول يخرجون الرسول وإياكم من أجل إيمانكم وقال تعالى وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا وعليه يخرج تخليد من قتل مؤمنا متعمدا أي قصد قتله لإيمانه ومما يتضمن هذا المنزل علم الابتلاء وليس ذلك إلا لله قال تعالى ولنبلونكم وقال عز وجل أيضا ليبلوكم وليس للمؤمن أن يبتلي المؤمن إلا بأمر إلهي فيكون الابتلاء لله تعالى ومنه لا منهم مثل قوله تعالى فامتحنوهن فالله أمر بذلك فامتثل العبد أمر سيده كالسلطان يأمر بعذاب شخص فيتولى عذابه من أمر بتعذيبه وإن كان شفيقا عليه ولكن أمر السلطان واجب أن يمتثل للمرتبة لما يقتضيه من الهيبة فالابتلاء لا يكون إلا لله وكل من ابتلى أحدا من المؤمنين بغير أمر إلهي فإن الله يؤاخذه على ذلك وبهذا المقام انفرد الاسم الخبير وهو من أعجب أحكام الأسماء لأن الخبرة إنما جاءت لاستفادة علم المخبر المختبر وهنا في الجناب الإلهي العلم محقق بما يكون من هذا المختبر اسم مفعول فلا يستفيد علما المختبر اسم فاعل فيظهر أنه لا حكم لهذا الاسم وكان الأولى به العبد لجهله بما يكون من المختبر اسم مفعول والعبد ممنوع من الاختيار إلا بأمر إلهي فقد يسمى الله تعالى بما يستحقه العبد فحكمه في جناب الحق إفادة العلم للمختبر في نفسه بهذا الاختبار لإقامة الحجة عليه وله فلهذا لا يلحق الخبير بصفة العلم كما ألحقه أبو حامد والأسفراييني وأكثر الناس ولو كان كما زعموا لكان نقصا وإنما أوقعهم في ذلك قوله تعالى حتى نعلم وهو حجة عليهم إن لو كان الأمر على ظاهره فإن الاختبار سبب في تحصيل العلم ما هو نفس العلم وبالخبرة سمي خبيرا فإذا حصل العلم سمي عالما في ذلك الحال وغاية من نزه مثل ابن الخطيب وغيره في قوله حتى نعلم تعلق العلم بهذه الحالة وتعلق العلم محدث ولا يؤدي إلى حدوث العلم فبقي العلم على حاله من الوصف بالقدم وإن حدث التعلق فهذا منتهى غايتهم في التنزيه ويقولون لو تعلق العلم بما من شأنه إنه سيكون كائنا أو قد كان فقد علم الشئ على خلاف ما هو به وكذلك لو علم ما هو كائن قد كان أو سيكون أو علم ما كان هو كائن أو سيكون لكان هذا كله جهلا والله يتعالى عن ذلك فأدخلوا على الله الزمان من حيث لا يشعرون والتقدم في الأشياء والتأخر وما علموا إن الله تعالى يشهد الأشياء ويعلمها على ما هي عليه في أنفسها والأزمنة التي لها من جملة معلوماته مستلزمة لها وأحوالها وأمكنتها إن كانت لها ومحالها إن كانت ممن يطلب المحال وأحيازها كل ذلك مشهود للحق في غير زمان لا يتصف بالتقدم ولا بالتأخر ولا بالآن الذي هو حد الزمانين ولهذا لم يرد مع قوله صلى الله عليه وسلم عن ربه كان الله ولا شئ معه وأتى بكان وهي حرف وجودي لا بفعل ولم يقل وهو الآن فإن الآن نص في وجود الزمان فلو جعله ظرفا لهوية الباري تعالى لدخل تحت ظرفية الزمان بخلاف كان فإن لفظ كان من الكون وهو عين الوجود فكأنه يقول الله موجود ولا شئ معه في وجوده فما هي من الألفاظ التي ينجر معها الزمان إلا بحكم التوهم ولهذا لا ينبغي أن يقال كان فعل ماض في إعرابه على طريقة النحويين وقد بوب عليها الزجاجي وسماها بالحرف الذي يرفع الاسم وينصب الخبر ولم يجعلها فعلا فينجر معها الزمان الماضي والحال والمستقبل وبهذا القدر المتوهم الذي يتخيل في هذه الصيغة التي هي كان ويكون وسيكون من الزمان أشبهت الفعل الصحيح الذي هو قام ويقوم وسيقوم وجعلوا قائما مثل كائن فأجروها مجرى الأفعال من هذا الوجه وإذا كان أمرها على هذا فيطلق من الوجه الذي لا يقبل به ظرفية الزمان على الله تعالى وهو قوله وكان الله غفورا رحيما وكان الله شاكرا عليما وما أطلق عليه الآن لما ذكرناه لأنه نص في الزمان اسم علم له ومعناه الظرف كما جاء الاستواء على العرش بلفظ العرش ولفظ الاستواء وما هو نص في ظرفية المكان بخلاف اسم لفظة المكان فإنه نص بالوضع في ظرفيته والمتمكن في المكان نص فيه فعدل إلى الاستواء والعرش ليسوع التأويل الذي يليق بالجناب العالي لمن يتأول ولا بد والأولى التسليم لله فيما قاله ورد ذلك إلى علمه سبحانه بما أراده في هذا الخطاب ونفى التشبيه المفهوم منه بقوله ليس كمثله شئ على زيادة الكاف أو فرض المثل
(٦٩٢)