ففتق الله رتقه بسبع سماوات ثم إنه تطايرت الشرر من كرة الأثير في ذلك الدخان فقبلت من السماوات ومن الفلك المكوكب أما كن فيها رطوبات طبيعية فتعلقت بها تلك الشرر فانقدت تلك الأماكن لما فيها من الرطوبات فحدثت الكواكب فأضاء الجو كما يضئ البيت بالسراج ألا ترى القادح للزناد يعلق الشرر الحراق بما فيه من الرطوبة فيتقد فيكون منه المصباح ولهذا قال تعالى وجعلنا الشمس سراجا يضئ به العالم وتبصر به الأشياء التي كان يسترها الظلام فحدث الليل والنهار بحدوث كوكب الشمس والأرض فالليل ظلمة الأرض الحجابية عن انبساط نور الشمس والكواكب عندنا كلها مستنيرة لا تستمد من الشمس كما يراه بعضهم والقمر على أصله لا نور له البتة قد محا الله نوره وذلك النور الذي ينسب إليه هو ما يتعلق به البصر من الشمس في مرآة القمر على حسب مواجهة الأبصار منه فالقمر مجلي الشمس وليس فيه من نور الشمس لا قليل ولا كثير ثم إن الله رتب في كل فلك وسماء عالما من جنس طبيعة ذلك الفلك سماهم ملائكة على مقامات فطرهم الله عليها من التسبيح والتهليل وكل ثناء على الله تعالى وجعل منهم ملائكة مسخرين لمصالح ما يخلقه في عالم العناصر من المولدات وهي ثلاثة عوالم طبيعية ويسرى في كل عالم مولد من هذه الثلاثة من النفس الكلية صاحبة الآلات أرواح هي نفوس هذه المولدات بها تعلم خالقها ومنشئها وبها سرت الحياة فيها كلها وبها خاطبها الحق وكلفها وهو رسول الحق إليها وداع كل شخص منه إلى ربه فما بطنت حياته سمي جمادا ونباتا وانفصل هذان المولدان وتميزا بالنمو والغذاء فقيل في النامي منه نبات وفي غير النامي جماد وما ظهرت حياته وحسه سمي حيوانا والكل قد عمته الحياة فنطق بالثناء على خالقه من حيث لا نسمع وعلمهم الله الأمور بالفطرة من حيث لا نعلم فلم يبق رطب ولا يابس ولا حار ولا بارد ولا جماد ولا نبات ولا حيوان إلا وهو مسبح لله تعالى بلسان خاص بذلك الجنس وخلق الجان من لهب النار والإنسان مما قيل لنا ونفخ الأرواح في الكل وقدر الأقوات التي هي الأغذية لهذه المولدات من الإنس والجن والحيوان البحري والبري والهوائي وأوحى في كل سماء أمرها بما أودع الله في حركات هذه الكواكب واقتراناتها وهبوطها وصعودها في بيوت نحوسها وسعودها وعن حركاتها وحركات ما فوقها من الأفلاك حدثت المولدات وعن حركات الأفلاك الأربعة حدثت الأركان وهذا خلاف ما ذهب إليه غير أهل الكشف من المتكلمين في هذا الشأن فأودع الله في خزائن هذه الكواكب التي في الأفلاك علوم ما يكون من الآثار في العالم العنصري من التقليب والتغيير فهي أسرار إلهية قد جعل الله لها أهلا يعرفون ذلك ولكن لا على العلم بل على التقريب والأمر في نفسه صحيح غير إن الناظر من أهل هذا الشأن قد لا يستوفي النظر حقه لأمر فإنه من غفلة أو غلط في عدد ومقدار لم يشعر بذلك فيحكم فيخطئ فوقع الخطاء من نظره لا من نفس الأمر وقد يوافق النظر العلم فيقع ما يقوله ولكن ما هو على بصيرة فيه من حيث تعيين مسألة بعينها وهذا العلم لا تفي الأعمار بإدراكه فيعلم أصله من النبوات فكان أول من شرع في تعليم الناس هذا العلم إدريس عليه السلام عن الله فأعلمه ما أوحى في كل سماء وما جعل في حركة كل كوكب وبين له اقترانات الكواكب ومقادير الاقترانات وما يحدث عنها من الأمور المختلفة بحسب الأقاليم وأمزجة القوابل ومساقط نطفه في أشخاص الحيوان فيكون القرآن واحدا ويكون أثره في العالم العنصري مختلفا بحسب الإقليم وما يعطيه طبيعته فشروطه كثيرة يعلمها أهل ذلك الشأن فلما أعطتهم الأنبياء الموازين وعلمتهم المقادير علموا ما يحدث الله من الأمور والشؤون في الزمان البعيد وعن الزمان البعيد الذي لو وكلهم الله فيه إلى نفوسهم بالحكم المعتاد حتى يتكرر ذلك عليهم تكرار يوجب القطع عادة ورب أمر لا يظهر تكراره الذي يوجب القطع الظني به إلا بعد آلاف من السنين فهذا كان سبب التعريف الإلهي على السنة الأنبياء عليهم السلام فأعلمت الناس بما أوحى الله إليها ما أمن الله عليها هذه الكواكب المسخرة من الحوادث ولو عرف الجهال المنكرون هذا العلم قوله تعالى والنجوم مسخرات بأمره لما قالوا شيئا مما قالوه فما علموا تسخيرها وإنها كما قال تعالى ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليتخذ بعضكم بعضا سخريا كما سخر الرياح والبحار والفلك هكذا سخر الكواكب وهل في هذه المسخرات من الكواكب والأفلاك والرياح والبحار والدواب وكل مسخر عالم بما هو له مسخر أم لا هذا لا يعرفه
(٦٧٨)