حال عدمه وإنها رؤية حقيقية لا شك فيها وهو المسمى بالعالم ولا يتصف الحق بأنه لم يكن يراه ثم رآه بل لم يزل يراه فمن قال بالقدم فمن هنا قال ومن نظر إلى وجود العالم في عينه لنفسه ولم يكن له هذه الحالة في حال رؤية الحق إياه قال بحدوثه ومن هنا تعلم أن علة رؤية الرائي الأشياء ليس هو لكونها موجودة كما ذهب إليه من ذهب من الأشاعرة وإنما وجه الحق في ذلك إنما هو استعداد المرئي لأن يرى سواء كان موجودا أو معدوما فإن الرؤية تتعلق به وأما غير الأشاعرة من المعتزلة فإنها اشترطت في الرؤية البصرية أمورا زائدة على هذا تابعة للوجود ولهذا صرفت الرؤية إلى العلم خاصة فأما تجلى الذات بين تجليين حجابيين فلا بد أن يظهر في ذلك التجلي الذاتي من صور الحجابين أمر للرائي فيكون ذلك التجلي له كالمرآة يقابل بها صورتين فيرى الحجابين بنور ذلك التجلي الذاتي في مرآة الذات كما تشهد الفقر في حال تنزيهك الحق عنه سبحانه الغني الحميد وإن لم يكن الأمر كذلك فكيف تنزهه عما ليس بمشهود لك عقلا فهكذا صورة الحجاب في الذات عند التجلي وأوضح من هذا فلا يمكن فإذا أدرك العارف صورة هذين الحجابين أو صورة الحجاب والتجلي الذاتي الذي هذا التجلي الذاتي الآخر بينهما أو أدرك التجليين الذاتيين في مجلي الحجاب الواقع بينهما فليكن ذكره وعمله بحسب ما تعطيه تلك الصورتان في ذلك المجلى والعلة في أنه لا يدرك أبدا في التجلي أي تجل كان إلا صورتين لا بد منهما لكون الواحد يستحيل أن يشهد في أحديته ولما كان الإنسان لا تصح له الأحدية وهو في الرتبة الثانية من الوجود فله الشفعية لهذا لا يشاهد في التجلي إلا الصورتين الذي هو المجلى بينهما فلا يرى الرائي من الحق أبدا حيث رآه إلا نفسه فهذا التجلي يعرفك بنفسك وبنفسه فإن كان التجلي بين حجابين كانت الصورتان عملا إن كان في الدنيا فيكون عمل تكليف مشروع وإن كان في الآخرة فيكون عمل نعيم في منكوح أو ملبوس أو مأكول أو مشروب أو تفرج بحديث أو كل ذلك أو ما أشبه ذلك بحسب الحجاب ولهذا إذا رجع الناس من التجلي في الدار الآخرة يرجعون بتلك الصورة ويرون ملكهم بتلك الصورة وبها يقع النعيم ويظهر أن النعيم متعلقة الأشياء وليس كذلك وإنما متعلق النعيم وجود الأشياء أو إدراكها على تلك الصور الحجابية التي أدركها في المجلى الذاتي وإن كان التجلي تجليا حجابيا بين تجليين ذاتيين كتجلي القمر بين الضحى والظهيرة وتجلى الليل بين نهارين كانت الصورتان في ذلك المجلى الحجابي علما لا عملا ولكن من علوم التنزيه فتتحلى به النفس وتنعم به النعيم المعنوي وتلك جنتها المناسبة لها فافهم وإن كان التجلي الذاتي بين تجل حجابي وذاتي كانت الصورتان صورة علم لا صورة عمل فالتجلي الذاتي في الذاتي صورة علم تنزيه لا غير وصورة التجلي الحجابي فيه صورة علم تشبيه وهو تخلق العبد بالأسماء الإلهية وظهوره في ملكه بالصفات الربانية وفي هذا المقام يكون المخلوق خالقا ويظهر بأحكام جميع الأسماء الإلهية وهذه مرتبة الخلافة والنيابة عن الحق في الملك وبه يكون التحكم له في الموجودات بالفعل بالهمة والمباشرة والقول فأما الهمة فإنه يريد الشئ فيتمثل المراد بين يديه على ما أراده من غير زيادة ولا نقصان وأما القول فإنه يقول لما أراده كن فيكون ذلك المراد أو يباشره بنفسه إن كان عملا كمباشرة عيسى الطين في خلق الطائر وتصويره طائرا وهو قوله لما خلقت بيدي فللانسان في كل حضرة إلهية نصيب لمن عقل وعرف وإن كان التجلي الحجابي بين تجل حجابي وذاتي فالتجلي الحجابي في الحجابي علم ارتباطه بالحق من حيث ما هو دليل عليه وكونه سببا عنه وأنه على صورته ونسبة الشبه به وأما صورة التجلي الذاتي في الحجابي فهو علم تجلى الحق في صفات المخلوق من الفرح والتعجب والتبشبش واليد والقدم والعين والناجذ واليدين والقبضة واليمين والقسم للمخلوق بالمخلوقين وبنفسه واتصافه بحجب النور والظلم وبحصر سبحانه المحرقة خلف تلك الحجب النورية والظلمية وقد حصرت لك مقام التجليات في أربع وليس ثم غيرها أصلا ولما أعطت الحقيقة في التجليات الإلهية إنها لا تكون إلا في هذه الأربع في العالم كانت الموجودات كلها على التربيع في أصلها الذي ترجع إليه فكل موجود لا بد أن يكون في علمه علم تنزيه أو علم تشبيه وفي عمله إما في عمل صناعي أو عمل فكري روحاني ولا تخلو من هذه الأربعة الأقسام وكذا الطبيعة أعطت بذاتها لحكم هذه التجليات فإن الموجودات إنما خرجت على صورة هذه التجليات فكانت الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة وهي في كل جسم بكمالها غير أنه
(٦٦٧)