الحرارة الرطوبة وثبتت صورته في الهباء بالبرودة واليبوسة وجعله أعني هذا الجسم الكري على هيأة السرير وخلق له حملة أربعة بالفعل ما دامت الدنيا وأربعة أخر بالقوة يجمع بين هؤلاء الأربعة والأربعة الآخر يوم القيامة فيكون المجموع ثمانية وسماه العرش وجعله معدن الرحمة فاستوى عليه باسمه الرحمن وجعله محيطا بجميع ما يحوي عليه من الملك متحيزا يقبل الاتصال والانفصال وعمر الأينية الظرفية المكانية وكان مرتبة ما فوقه بينه وبين العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء وهو للاسم الرب والله هو الاسم الجامع المهيمن على جميع الأسماء الإلهية فصفته المهيمنية وتوحدت الكلمة في العرش فهي أول الموجودات التي قبلها عالم الأجسام ثم أوجد جسما آخر في جوهر هذا الهباء فإن جوهر هذا الهباء هو الذي عمر الخلأ فكل ما ظهر من الصور المتحيزة الجسمية والجسمانية فهذا الجوهر هو القابل لها وإنما قلنا هذا لئلا يتخيل أن الكرسي صورة في العرش وليس كذلك وإنما هو صورة أخرى في الهباء قبلها كما قبل صورة العرش على حد واحد ولكن بنسب مختلفة فسمى هذا الموجود الآخر كرسيا ودلى إليه القدمين من العرش فانفلقت الرحمة انفلاق الحب فتنوعت الرحمة في الصفة إلى إطلاق وتقييد فظهرت الرحمة المقيدة وهي القدم الواحدة وتميزت الرحمة المطلقة بظهور هذه القدم الأخرى فظهر في هذه القدم انقسام الكلمة الواحدة العرشية التي لم يظهر لها انقسام في العرش إلى خبر وحكم وانقسم الحكم إلى أمر ونهي وانقسم الأمر إلى وجوب وندب وإباحة وانقسم النهي إلى حظر وكراهة وانقسم الخبر إلى هذه الأقسام وزيادة من استفهام وتقرير ودعاء وإنكار وقصص وتعليم فتنوعت الألسن وظهرت الملاحن في الكرسي فظهر تفصيل النغمات التي كانت مجملة في العرش فهو أول طرب ظهر في عالم الأجسام من السماع ومن هنالك سرى في عالم الأفلاك والسماوات والأركان والمولدات ثم أوجد الحق أيضا جسما آخر مستديرا دون الكرسي في الرتبة وجعله مستديرا فلكيا غير مكوكب قدر فيه سبحانه أثنى عشر تقديرا مقادير معينة سمي كل مقدار منها باسم لم يسم به الآخر وهي المعروفة بالبروج وأظهر منها سلطان الطبيعة فجعل منها ثلاثة من اجتماع الحرارة واليبوسة وجعل أحكامها مختلفة وإن كانت على طبيعة واحدة ولكن المكان المعين من هذا الفلك لما اختلف اختلفت أحكامها من ذلك الوجه وبما هي على طبيعة واحدة من الحر واليبس اتفقت أحكامها فتعمل بالاتفاق من وجه وبالاختلاف من وجه ولهذا ظهر عنها الكون والفساد والتغيير والاستحالات ولست أعني بالفساد الشرور المعتادة عندنا هنا وإنما أعني بالفساد زوال نظم مخصوص يقال فيه فسد ذلك النظام أي زال كما تأكل التفاحة أو تشقها بالسكين إلى أقسام فقد فسد نظامها فذهبت تلك الصورة بظهور صورة أخرى فيها وعن هذا الفلك يتكون جميع ما في الجنة وعنه يكون الشهوة لأهلها وهو عرش التكوين ثم إن الله تعالى أوجد في جوف هذا الفلك الأطلس الذي هو محل لهذه الطبائع التي هي آلة النفس العملية فلكا آخر في جوهر الهباء كما ذكرنا وبالتجلي الإلهي كما ذكرنا إذ لا يكون التكوين الإله سبحانه وهذا الفلك هو فلك الكواكب الثابتة والمنازل التي يقدر بها تقسيم البروج المقدرة في الأطلس إذ كان الأطلس متشابه الأجزاء وهي ثمانية وعشرون منزلة وهي النطح والبطين والثريا والدبران والهنعة والهقعة والذراع والنثرة والطرف والجبهة والزبرة والصرفة والعوا والسماك والغفر والزبايا والإكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية والفرع المقدم والفرع المؤخر والرساء فهذه ثمان وعشرون منزلة معروفة مسماة يحكم لها بطبائع البروج وهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت ولهذا الفلك المكوكب أعني فلك المنازل قطع في الفلك الأطلس فلك البروج وجعل لكل تقدير في فلك البروج منزلتين وثلث من المنازل المذكورة ولمنازله وجميع كواكبه سباحة في أفلاك لها بطيئة لا يحس بها البصر إلا بعد آلاف من السنين كما ذكر عن أهرام مصر أنها بنيت والنسر في الأسد وهو اليوم في الجدي ونحن في سنة أربع وثلاثين وستمائة ثم أوجد على سطح هذا الفلك المكوكب الجنة بما فيها بطالع الأسد وهو برج ثابت فلهذا كان لها الدوام فإن أصحاب هذا الفن قد سموا هذه البروج بالأسماء التي ذكرناها ونعتوها بأمور على حسب ما أطلعهم الله عليه
(٦٧٦)