البدر خيف من اللصوص فينبغي إن يدخل الإنسان المدينة حذرا من اللصوص فكنت أفهم عنه من هذا الكلام أنه يريد أن النفوس إذا كان شهود الحق غالبا عليها محققة به وفيه عند من يدخل بساتين معرفة الله والكلام في جلاله على ضروبه وكثرة فنونه فشبه الحق بالبدر وشبه ما تحويه البساتين من ضروب الفواكه بما تحوي عليه الحضرة الإلهية من معارف الأسماء الإلهية وصفات الجلال والتعظيم وفهمت منه في المنام من قوله إذا غاب البدر وذلك شهود الحق في الأشياء والحضور معه والنية الخالصة فيه كان ظلام الجهل والغفلة عن الله والخطاء وخيف من اللصوص يريد الشبه المضلة الطارئة لأصحاب النظر الفكري وأصحاب الكشف الصوري فذكر ذلك خوفا على النفوس إذا اشتدت في الكلام على ما يستحقه جناب الحق فليدخل المدينة يريد فليتحصن من ذلك بالشرع الظاهر وليلزم الجماعة وهم أهل البلد فإن يد الله مع الجماعة ثم رأيته صلى الله عليه وسلم يتقلق قلقا عظيما بجميع أعضائه لعظيم ما هو فيه من السرور بما يتضمنه هذا المنزل من المعرفة وكانتا في الليل والبدر طالع حتى كان منه في النهار أرى البدر يضئ في كبد السماء وقائل يقول لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلق عظيم لما يرد عليه من الله ويشهده واستيقظت فقيدت الرؤيا في هذا المنزل واستبشرت بما رأيته لله الحمد على ذلك ويتضمن هذا المنزل علوما جمة وما من منزل إلا ويحتمل ما يحوي عليه من المعارف مجلدات كثيرة فقلت لأصحابي في هذه الليلة إنما أجعل من المنزل بعض ما يحوي عليه من المعارف مسألة من مسائله فسألني بعض أصحابي قال إذا كان الأمر على هذا فنبهنا على عدد ما يحويه من المسائل بذكر رؤس أصولها خاصة لنعرفها من غير تفصيل مخافة التطويل فقلت إن شاء الله ربما أفعل ذلك فبما بقي علينا من هذه المنازل في هذا الكتاب فكانت على هذه الليلة ليلة مباركة فاعلم إن هذا المنزل يتضمن علم التجلي في النجوم على كثرتها في كل نجم منها في آن واحد برؤية واحدة وعلم تداخل التجليات وعلم تجلى التابع والمتبوع وهل يحصل للتابع ذوق من تجلى المتبوع أم لا فإن المتبوع إنما جاء يدعو إلى الله ما جاء يدعو إلى نفسه فقال تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله وقال ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني فجعل للتابع نصيبا في الدعاء إلى الله فكل علم يستقل به الإنسان من كونه عاقلا لا يحتاج فيه إلى غيره من رسول ولا دل عليه كالعلم بتوحيد الله وما يجب له وكذلك ما يحصل له من الفيض الإلهي في الكشف في خلواته وطهارة نفسه بمكارم الأخلاق فمثل هذا يكون له من التجلي مثل ما للمتبوع لأنه ليس بتابع إنما هو ذو بصيرة إما لدليل عقل سار أو لكشف محقق هو فيه مثل المتبوع وكل إنسان ما له هذا المقام وكان الذي عنده من العلم بالله أخذه إيمانا من المتبوع ومشى عليه ويكون ذلك العلم مما لا يمكن أن يحصل إلا على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو علم التقرب إلى الله من كونه قربة لا من كونه علما وكذلك الأعمال البدنية والقلبية على طريق القربة لا تعلم إلا من المتبوع فإذا كان التجلي في هذا المقام لصاحب هذا العلم فلا يلحق فيه التابع المتبوع أبدا فهو للمتبوع تجل شمسي وهو للتابع تجل قمري ونجومي فاعلم ذلك ومما يتضمنه هذا المنزل تجلى الحق لأهل الشقاء في غير الاسم الرب مع أن الله ما جعل الحجاب إلا في يومئذ مخصوصا وفي اسم الرب المصاف إليهم لا في إطلاق الاسم فهم في الحجاب في زمان مختص من اسم مضاف خاص بهم فلا يمنع تجليه في هذا الاسم الخاص لهم في غير ذلك الزمان وفي اسم الرب المطلق وفي غيره من الأسماء قال تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ فأضافه إليهم يومئذ لمحجوبون فجعله زمانا معينا فافهم ويتضمن هذا المنزل أنه ليس كل تجل يقع به النعيم وأن النعيم بالتجلي إنما يقع للمحبين المشتاقين الذين وفوا بشروط المحبة ويتضمن هذا المنزل بطون عالم الشهادة في الغيب فيرجع ما كان شهادة غيبا وما كان غيبا شهادة وهكذا ذهب إليه بعض العارفين في نشأة الآخرة إن الأجسام تكون مبطونة في الأرواح وأن الأرواح تكون لها ظروفا ظاهرة بعكس ما هي في الدنيا فيكون الظاهر في الدار الآخرة والحكم للروح لا للجسم ولهذا يتحولون في أية صورة شاءوا لغلبة الروحية عليهم وغيبية الجسم فيها كما هم اليوم عندنا الملائكة وعالم الأرواح يظهرون في أية صورة شاءوا ومن منازل أصحاب الكشف الذين أنكروا حشر الأجسام فإنهم أبصروا في كشفهم الأمر الواقع في الدار الآخرة ورأوا أرواحا تتحول في الصور كما يريدون وغيب عنهم ما تحوي عليه تلك الأرواح
(٦٦٩)