بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا دنيا وآخرة والعالم المحقق لما هو الأمر في عينه يتفرج في ذاته وفي العالم ظاهره وباطنه فهو العين المصيبة وهو المثل المنزه المنصوص عليه الذي نفى الحق أن يماثل أو يقابل بقوله تعالى ليس كمثله شئ أي ليس مثل مثله شئ فالكاف كاف الصفة ما هي زائدة كما يرى بعضهم فبعض العلماء يرى في ذلك أن لو فرض له مثل لم يماثل ذلك المثل فأحرى إن يماثل هو في نفسه وعند بعضهم نفي المثل عن المثل المحقق الذي ذكرناه سئل الجنيد عن المعرفة والعارف فقال لون الماء لون إنائه فأثبت الماء والإناء فأثبت الحرف والمعنى والإدراك ونفى الإدراك ففرق وجمع فنعم ما قال وبعد أن أبنت لك عن مرتبة الاصطلام اللازم فلنبين لك ما بقي من هذا المنزل وهو العلم بالجود الإلهي الخارج عن الوجوب وهل يكون الحق عوضا ينال بعمل خاص أم لا فاعلم إن لله جودا مقيدا وجودا مطلقا فإنه سبحانه قد قيد بعض جوده بالوجود فقال كتب ربكم على نفسه الرحمة أي أوجب وفرض على نفسه الرحمة لقوم خواص نعتهم بعمل خاص وهو أنه من عمل منكم سوء بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم فهذا جود مقيد بالوجوب لمن هذه صفته وهو عوض عن هذا العمل الخاص والتوبة والإصلاح من الجود المطلق فجلب جوده بجوده فما حكم عليه سواه ولا قيده غيره والعبد بين الجودين عرض زائل وعرض ماثل قال سهل بن عبد الله عالمنا وامامنا لقيت إبليس فعرفته وعرف مني أني عرفته فوقعت بيننا مناظرة فقال لي وقلت له وعلا بيننا الكلام وطال النزاع بحيث إن وقفت ووقف وحرت وحار فكان من آخر ما قال لي يا سهل الله عز وجل يقول ورحمتي وسعت كل شئ فعم ولا يخفى عليك إني شئ بلا شك لأن لفظة كل تقتضي الإحاطة والعموم وشئ أنكر النكرات فقد وسعتني رحمته قال سهل فوالله لقد أخرسني وحيرني بلطافة سياقه وظفره بمثل هذه الآية وفهم منها ما لم نفهم وعلم منها ومن دلالتها ما لم نعلم فبقيت حائرا متفكرا وأخذت أتلو الآية في نفسي فلما جئت إلى قوله تعالى فيها فسأكتبها الآية سررت وتخيلت أني قد ظفرت بحجة وظهرت عليه بما يقصم ظهره وقلت له يا ملعون إن الله قد قيدها بنعوت مخصوصة يخرجها من ذلك العموم فقال فسأكتبها فتبسم إبليس وقال يا سهل ما كنت أظن أن يبلغ بك الجهل هذا المبلغ ولا ظننت إنك هاهنا ألست تعلم يا سهل أن التقييد صفتك لا صفته قال سهل فرجعت إلى نفسي وغصصت بريقي وأقام الماء في حلقي ووالله ما وجدت جوابا ولا سددت في وجهه بابا وعلمت أنه طمع في مطمع وانصرف وانصرفت ووالله ما أدري بعد هذا ما يكون فإن الله سبحانه ما نص بما يرفع هذا الإشكال فبقي الأمر عندي على المشيئة منه في خلقه لا أحكم عليه في ذلك بأمد ينتهي أو بأمد لا ينتهي فاعلم يا أخي أني تتبعت ما حكي عن إبليس من الحجج فما رأيت أقصر منه حجة ولا أجهل منه بين العلماء فلما وقفت له على هذه المسألة التي حكى عنه سهل ابن عبد الله تعجبت وعلمت أنه قد علم علما لا جهل فيه فهو أستاذ سهل في هذه المسألة وأما نحن فما أخذناها إلا من الله فما لإبليس علينا منة في هذه المسألة بحمد الله ولا غيرها وكذا أرجو فيما بقي من عمرنا وهي مسألة أصل لا مسألة فرع فإبليس ينتظر رحمة الله إن تناله من عين المنة والجود المطلق الذي به أوجب على نفسه سبحانه ما أوجب وبه تاب على من تاب وأصلح فالحكم لله العلي الكبير عن التقييد في التقييد فلا يجب على الله إلا ما أوجبه على نفسه فالعارف كذلك في جوده لا يتقيد ولا يعطي واجبا يجب عليه فإن وجوب العطاء إنما سببه الملك ولا ملك للعارف مع الله فالمال الذي بيد العارف هو لله ليس له والزكاة تجب في عين المال على رب المال ولا رب له سواه سبحانه فقد أوجب على نفسه أن يخرج من هذا المال مقدارا معينا هو حق لطائفة من خلقه أوجبه لهم على نفسه في هذا المال الذي بيد العارف فيخرج العارف من هذا المال حق تلك الطائفة نيابة عن رب المال كما يخرج الوصي عن اليتيم بحكم الوكالة فإنه وليه ومن هذا الباب زلت طائفة في كشفها لهذا المقام فلم تؤد زكاة ما بيدها من المال ورأيت منهم جماعة مع كونهم يخرجون ما هو أكثر من الزكاة ولا يزكونه ويقولون إن الله تعالى لا يجب عليه شئ وهذا المال لله ليس لي ويدي فيه عارية وأنا في هذه المسألة حنفي المذهب فكما لا يجب على ولي اليتيم إخراج الزكاة عن اليتيم لأن اليتيم لا تجب عليه الزكاة في ماله لأنه المخاطب فلا أزكيه فقد بينت لك وفقك الله الجود الإلهي وتقسيمه وأما هل يكون الحق عوضا لعمل خاص أم لا فاعلم إن مالك بن أنس رضي الله عنه يقول في الرجل يعطي الرجل هدية ثم إن المعطى له لا يكافئه فيطلبه بالمكافأة عند الحاكم
(٦٦٢)