ما تعطيه حقيقة الموصوف وإنما تقدمت في الحق لتقدم الحق بالوجود وتأخرت في الخلق لتأخر الخلق في الوجود فيقال في الحق إنه ذات يوصف بأنه حي عالم قادر مريد متكلم سميع بصير ويقال في الإنسان المخلوق إنه حي عالم قادر متكلم سميع بصير بلا خلاف من أحد والعلم في الحقيقة والكلام وجميع الصفات على حقيقة واحدة في العقل ثم لا ينكر الخلاف بينهم في الحكم فإن أثر القدرة يخالف أثر غيرها من الصفات وهكذا كل صفة والعين واحدة ثم حقيقة الصفة الواحدة واحدة من حيث ذاتها ثم يختلف حدها بالنسبة إلى اختصاص الحق بها وإلى اتصاف الخلق بها وهذه الحقيقة لا تزال معقولة أبدا لا يقدر العقل على إنكارها ولا يزال حكمها موجودا ظاهرا في كل موجود فكل موجود لها صورة * فيه ولا صورة في ذاتها فحكمها ليس سوى ذاتها * وذلك الحكم من آياتها تجتمع الأضداد في وصفها * فنفيها في عين إثباتها فالمعنى القابل لصورة الجسم هو المذكور المطلوب في هذا الفصل وهو المهيأ له والجسم القابل للشكل هو هباء لأنه الذي يقبل الأشكال لذاته فيظهر فيه كل شكل وليس في الشكل منه شئ وما هو عين الشكل والأركان هباء للمولدات وهذا هو الهباء الطبيعي والحديد وأمثاله هباء لكل ما تصور منه من سكين وسيف وسنان وقدوم ومفتاح وكلها صور أشكال ومثل هذا يسمى الهباء الصناعي فهذه أربعة عند العقلاء والأصل هو الكل وهو الذي وضعنا له هذا الفضل وزدنا نحن حقيقة الحقائق وهي التي ذكرناها في هذا الفصل التي تعم الخلق والحق وما ذكرها أحد من أرباب النظر إلا أهل الله غير أن المعتزلة تنبهت على قريب من ذلك فقالت إن الله قائل بالقائلية وعالم بالعالمية وقادر بالقادرية لما هربت من إثبات صفة زائدة على ذات الحق تنزيها للحق فنزعت هذا المنزع فقاربت الأمر وهذا كله أعني ما يختص بهذا الفصل من حكم الاسم الآخر الظاهر التي هي كلمة النفس الرحماني وهو الذي توجه على الدبران من المنازل وكواكبه ستة وهو أول عدد كامل فهو أصل كل عدد كامل فكل مسدس في العالم فله نصيب من هذه الكمالية وعليه أقامت النحل بيتها حتى لا يدخله خلاء ومن أهل الله من يراه أفضل الأشكال فإنه قارب الاستدارة مع ظهور الزوايا وجعله أفضل لأن الشكل المسدس كبيوت النحل لا يقبل الخلل مع الكثرة فيظهر الخلو والمستدير ليس كذلك وإن أشبهه غيره في عدم قبول الخلل كالمربع فإنه يبعد عن المستدير والاستدارة أول الأشكال التي قبل الجسم وجعل بعضها في جوف بعض لأن الخلأ مستدير ولو لم يكن كذلك ما استدار الجسم لأنه ما ملأ إلا الخلأ فلا يقبل استدارة أخرى من خارج فإنه ما ثم خلاء غير ما عمره الجسم فلو عمر بعض الخلأ لم يقبل سوى الشكل المسدس وإنما وصف بالكمال لأنه يظهر عن نصفه وثلثه وسدسه فيقوم من عين أجزائه (الفصل الخامس عشر) من النفس الرحماني في الاسم الإلهي الظاهر وتوجهه على إيجاد الجسم الكل ومن الحروف على حرف الغين المعجمة ومن المنازل على رأس الجوزاء وهي الهقعة وتسمى الميسان اعلم أن الله تعالى لما جعل في النفس القوة العملية أظهر الله بها صورة الجسم الكل في جوهر الهباء فعمر به الخلاء والخلاء امتداد متوهم في غير جسم ولما رأينا هذا الجسم الكل لم يقبل من الأشكال إلا الاستدارة علمنا أن الخلاء مستدير إذ كان هذا الجسم عمر الخلأ فالخارج عن الجسم لا يتصف بخلاء ولا ملا ثم إن الله فتح في هذا الجسم صور العالم وجعل هذا الجسم لما أوجده مستديرا لما عمر به جميع الخلاء كانت حركته في خلائه فما هي حركة انتقال عنه وإنما حركته فيه بكله كحركة الرحى تنظر في حركتها بجميعها فتجدها لم تنتقل عن موضعها وتنظر إلى حركة كل جزء منها فتجده منتقلا عن حيزه إلى حيز آخر بحركة الكل وهكذا كل حركة مستديرة فهي متحركة ساكنة لأنها ما أخلت حيزها بالانتقال من حيث جملتها ولا سكنت فتتصف بالسكون وهذا لا يكون إلا في المستدير وأما غير المستدير فلا يسمى لشكله فلكا أي مستديرا وهذا هو أول الصور الطبيعية فأظهرت الطبيعة فيه حكمها فقبل الحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة بحكم التجاوز في النقيضين خاصة فتحرك بغلبة الحرارة عليه فإن الاعتدال لا يظهر عنه شئ
(٤٣٣)