المرتبة الرابعة من مراتب الوجود كما هو الحاء المهملة في المرتبة الرابعة من مخارج الحروف في النفس الإنساني غير أن الحرف له صورة لفظية في القول محسوسة للسمع وليس لهذا الجوهر الهبائي مثل هذا الوجود وهذا الاسم الذي اختص به منقول عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأما نحن فنسميه العنقاء فإنه يسمع بذكره ويعقل ولا وجود له في العين ولا يعرف على الحقيقة إلا بالأمثلة المضروبة كما أن كون الحق نور السماوات والأرض لم يعرف بحقيقته وإنما عرفنا الحق به بضرب المثل فقال مثل نوره كمشكاة الآية فذكر الأمور التي تنبغي للمصباح المشبه به نور السماوات والأرض وهو الذي أنارت به العقول العلوية وهو قوله السماوات والصور الطبيعية وهو قوله والأرض كذلك هذا المعقول الهبائي لا يعرف إلا بالمثل المضروب وهو كل أمر يقبل بذاته الصور المختلفة التي تليق به وهو في كل صورة بحقيقته وتسميه الحكماء الهيولى وهي مسألة مختلف فيها عندهم ولسنا ممن يحكى أقوالهم في أمر ولا أقوال غيرهم وإنما نورد في كتابنا وجميع كتبنا ما يعطيه الكشف ويمليه الحق هذا طريقة القوم كما سئل الجنيد عن التوحيد فأجاب بكلام لم يفهم عنه فقيل له أعد الجواب فإنا ما فهمنا فقال جوابا آخر فقيل له وهذا أغمض علينا من الأول فأمله علينا حتى ننظر فيه ونعلمه فقال إن كنت أجريه فإنا أمليه أشار إلى أنه لا تعمل له فيه وإنما هو بحسب ما يلقى إليه مما يقتضيه وقته ويختلف الإلقاء باختلاف الأوقات ومن علم الاتساع الإلهي علم أنه لا يتكرر شئ في الوجود وإنما وجود الأمثال في الصور يتخيل أنها أعيان ما مضى وهي أمثالها لا أعيانها ومثل الشئ ما هو عينه واعلم أن هذا المعقول الرابع من وجود العقل فيه تظهر العين التي تقبل حكم الطبيعة وهو الجسم الكل الذي يقبل اللطيف والكثيف والكدر والشفاف وهو الذي يأتي ذكره في الفصل الثاني بعد هذا وهذا المعقول إنما قيدنا مرتبته بأنها الرابعة من حيث نظرنا إلى قبوله صورة الجسم خاصة وإنما بالنظر إلى حقيقته فليست هذه مرتبته ولا ذلك الاسم اسمه وإنما اسمه الذي يليق به الحقيقة الكلية التي هي روح كل حق ومتى خلى عنها حق فليس حقا ولهذا قال ع لكل حق حقيقة فجاء باللفظ الذي يقتضي الإحاطة إذا تعرى عن القرائن المقيدة وهو لفظة كل كمفهوم العلم والحياة والإرادة فهي معقولة واحدة في الحقيقة فإذا نسب إليها أمر خاص لنسبة خاصة حدث لها اسم ثم إنه إذا نسب ذلك الأمر الخاص إلى ذات معلومة الوجود وإن لم يعلم حقيقتها فنسب إليها ذلك الأمر الخاص بحسب ما تقتضيه تلك الذات المعينة فإن اتصفت تلك الذات بالقدم اتصف هذا الأمر بالقدم وإن اتصفت بالحدوث اتصف هذا الأمر بالحدوث والأمر في نفسه لا يتصف بالوجود إذ لا عين له ولا بالعدم لأنه معقول ولا بالحدوث لأن القديم لا يقبل الاتصاف به والقديم لا يصح أن يكون محلا للحوادث ولا يوصف بالقدم لأن الحادث يقبل الاتصاف به والحادث لا يوصف بالقديم ولا يصح أن يكون القديم حالا في المحدث فهو لا قديم ولا حادث فإذا اتصف به الحادث سمي حادثا وإذا اتصف به القديم سمي قديما وهو قديم في القديم حقيقة وحادث في المحدث حقيقة لأنه بذاته يقابل كل متصف به كالعلم يتصف به الحق والخلق فيقال في علم الحق إنه قديم فإن الموصوف به قديم فعلمه بالمعلومات قديم لا أول له ويقال في علم الخلق إنه محدث فإن الموصوف به لم يكن ثم كان فصفته مثله إذ ما ظهر حكمها فيه إلا بعد وجود عينه فهو حادث مثله والعلم في نفسه لا يتغير عن حقيقته بالنسبة إلى نفسه وهو في كل ذات بحقيقته وعينه وما له عين وجودية سوى عين الموصوف فهو على أصله معقول لا موجود ومثاله في الحس البياض في كل أبيض والسواد في كل أسود هذا في الألوان وكذلك في الأشكال التربيع في كل مربع والاستدارة في كل مستدير والتثمين في كل مثمن والشكل بذاته في كل متشكل وهو على حقيقته من المعقولية والذي وقع عليه الحس إنما هو المتشكل لا الشكل والشكل معقول إذ لو كان المتشكل عين الشكل لم يظهر في متشكل مثله ومعلوم أن هذا المتشكل ليس هو المتشكل الآخر فهذا مثل مضروب للحقائق الكلية التي اتصف الحق والخلق بها فهي للحق أسماء وهي للخلق أكوان فكذلك هذا المعقول الرابع لصور الطبيعة يقبل الصور بجوهره وهو على أصله في المعقولية والمدرك الصورة لا غيرها ولا تقوم الصورة إلا في هذا المعقول فما من موجود إلا وهو معقول بالنظر إلى ما ظهرت فيه صورته موجود بالنظر إلى صورته ألا ترى الحق تعالى ما تسمى باسم ولا وصف نفسه بصفة ثبوتية إلا والخلق يتصف بها وينسب إلى كل موصوف بحسب
(٤٣٢)