باطنه عدم وهو عين المخلوق فإن قلت فالراكع أيضا وجود قلنا صدقت فإن الأسماء الإلهية التي تنسب إلى الحق على مراتب في النسبة بعضها يتوقف على بعض وبعضها لها المهيمنية على بعض وبعضها أعم تعلقا وأكثر أثرا في العالم من بعض والعالم كله مظاهر هذه الأسماء الإلهية فيركع الاسم الذي هو تحت حيطة غيره من الأسماء للاسم الذي له المهيمنية عليه فيظهر ذلك في الشخص الراكع فكان انحناء حق لحق ألا ترى الأحاديث الواردة الصحيحة بالفرح الإلهي والتبشبش والنزول والتعجب والضحك أين هذه الصفات من ليس كمثله شئ ومن هو القاهر فوق عباده وأمثال ذلك من صفات العظمة فمن ركع فبهذه الصفة فهي الراكعة ومن تعاظم فبتلك الصفة أيضا الإلهية فهي العظيمة والراكعون من الأولياء على هذا الحد هو ركوعهم ومن الأولياء أيضا الساجدون من رجال ونساء رضي الله عنهم تولاهم الله بسجود القلوب فهم لا يرفعون رؤوسهم لا في الدنيا ولا في الآخرة وهو حال القربة وصفة المقربين ولا يكون السجود إلا عن تجل وشهود ولهذا قال له واسجد واقترب يعني اقتراب كرامة وبر وتحف كما يقول الملك للرجل إذا دخل عليه فحياه بالسجود له بين يديه فيقول له الملك أدنه أدنه حتى ينتهي منه حيث يريد من القربة فهذا معنى قوله واقترب في حال السجود أعلاما بأنه قد شاهد من سجد له وأنه بين يديه وهو يقول له اقترب ليضاعف له القربة كما قال من تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا إذا كان اقتراب العبد عن أمر إلهي كان أعظم وأتم في بره وإكرامه لأنه ممتثل أمر سيده على الكشف فهذا هو سجود العارفين الذين أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يطهر بيته لهم ولأمثالهم فقال عز من قائل وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود وقال لنبيه عليه الصلاة والسلام فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين يريد الذين لا يرفعون رؤوسهم أبدا ولا يكون ذلك إلا في سجود القلب ولهذا قال له عقيب قوله وكن من الساجدين تمم فقال واعبد ربك حتى يأتيك اليقين فتعرف باليقين من سجد منك ولمن سجدت فتعلم أنك آلة مسخرة بيد حق قادر اصطفاك وطهرك وحلاك بصفاته فصفاته سبحانه طلبته بالسجود لذاته لنسبتها إليه فانظر يا أخي سر ما أشرنا إليه في هذه المسألة إذ كانت النسب أو الصفات أو الأسماء لا تقوم بأنفسها لذاتها فهي طالبة بطلب ذاتي لعين تقوم بها فيظهر حكمها بأن توصف تلك العين بها أو تسمى بها أو تنسب إليها كيف ما شئت من هذا كله فقل وقل رب زدني علما وكذلك انظر في قوله وتنبه الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين فأشار إلى تنوع الحالات عليه في حال سجوده من غير رفع يتخلل ذلك ولقد رفع وقام وركع وثنى السجود ولم يثن حالة من حالات صلاته إلا السجود لشرفه في حق العبد فأكده بتثنيته في كل ركعة فرضا واجبا وركنا لا ينجبر إلا بالإتيان به ومن الأولياء الآمرون بالمعروف من رجال ونساء رضي الله عنهم تولاهم الله بالأمر بالله إذ كان هو المعروف فلا فرق أن تقول الآمرون بالله أو الآمرون بالمعروف لأنه سبحانه هو المعروف الذي لا ينكر ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله مع كونهم مشركين وقالوا ما نعبدهم يعني الآلهة إلا ليقربونا إلى الله زلفى فهو المعروف عندهم بلا خلاف في ذلك في جميع النحل والملل والعقول قال صلى الله عليه وسلم من عرف نفسه عرف ربه فهو المعروف فمن أمر به فقد أمر بالمعروف ومن نهى به فقد نهى عن المنكر بالمعروف فالآمرون بالمعروف هم الآمرون على الحقيقة بالله فإنه سبحانه إذا أحب عبده كان لسانه الذي يتكلم به والأمر من أقسام الكلام فهم الآمرون به لأنه لسانهم فهؤلاء هم الطبقة العلياء في الأمر بالمعروف وكل أمر بمعروف فهو تحت حيطة هذا الأمر فاعلم ذلك ومن الأولياء أيضا الناهون عن المنكر من رجال ونساء رضي الله عنهم تولاهم الله بالنهي عن المنكر بالمعروف والمنكر الشريك الذي أثبته المشركون بجعلهم فلم يقبله التوحيد العرفاني الإلهي وأنكره فصار منكرا من القول وزورا فلم يكن ثم شريك له عين أصلا بل هو لفظ ظهر تحته العدم المحض فأنكرته المعرفة بتوحيد الله الوجودي فسمي منكرا من القول إذا لقول موجود وليس بمنكر عيني فإنه لا عين للشريك إذ لا شريك في العالم عينا وإن وجد قولا ونطقا فهم الناهون عن المنكر وهو عين القول خاصة فليس لمنكر من المنكرات عين موجودة فلهذا وصفهم الله بأنهم الناهون عن المنكر ولكن نهيهم بالمعروف في ذلك ومن الأولياء أيضا الحلماء من رجال ونساء رضي الله عنهم
(٣٤)