هو فهو ثناء ذاتي لا ثناء افتقار لاكتساب ثناء فهؤلاء أحق باسم المتصدقين من غيرهم حيث أثبتوا أعيانهم ونفوا أحكامهم والله الهادي ومن الأولياء أيضا الصائمون والصائمات رضي الله عنهم تولاهم الله بالإمساك الذي يورثهم الرفعة عند الله تعالى عن كل شئ أمرهم الحق أن يمسكوا عنه أنفسهم وجوارحهم فمنه ما هو واجب ومندوب وأما قوله تعالى لهذه الطائفة ثم أتموا الصيام إلى الليل تنبيها على غاية توقيت الإمساك في عالم الشهادة وهو النهار والليل ضرب مثال محقق للغيب فإذا وصلوا إلى رتبة مصاحبة عالم الغيب المعبر عنه بالليل لم يصح هنالك الإمساك فإن إمساك النفس والجوارح إنما هو في المنهيات وهي في عالم الشهادة فإن عالم الغيب أمر بلا نهي ولهذا سموا عالم الأمر وذلك لأن عالم الغيب عقل مجرد لا شهوة لهم فلا نهي عندهم في مقام التكليف فهم كما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ولم يذكر لهم نهي عن شئ لأن حقائقهم لا تقتضيه فإذا صام الإنسان وانتقل من بشريته إلى عقله فقد كمل نهاره وفارقه الإمساك لمفارقة النهي والتحق بعالم الأمر بعقله فهو عقل محض لا شهوة عندهم ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم في حقه إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم يقول وغربت الشمس عن عالم الشهادة وطلعت على عالم عقله فقد أفطر الصائم أي لم يمتنع فارتفع عنه التحجير لأن عقله لا يتغذى بما أمره الحق بالإمساك عنه وهو حظ طبعه فاعلم ذلك وإذا كان الأمر على هذا الحد وحصلت له الرفعة الإلهية عن حكم طبعه ورفعه التجلي عن حكم فكره إذ كان الفكر من حكم الطبع العنصري ولهذا لا يفكر الملك ويفكر الإنسان لأنه مركب من طبيعة عنصرية وعقل فالعقل من حيث نفسه له التجلي فيرتفع عن حضيض الفكر الطبيعي المصاحب للخيال الآخذ عن الحس والمحسوس قال الشاعر إذا صام النهار وهجر أي ارتفع النهار فمن ليست له هذه الرفعة عن هذا الإمساك فما هو الصائم المطلوب المسمى عندنا فهذا هو صوم العارفين بالله وهم أهل الله انتهى الجزء الثامن والسبعون (بسم الله الرحمن الرحيم) ومن الأولياء الحافظون لحدود الله والحافظات رضي الله عنهم تولاهم الله بالحفظ الإلهي فحفظوا به ما تعين عليهم إن يحفظوه وهم على طبقتين ذكرهم الله وهم الحافظون فروجهم فعين وخصص والحافظون لحدود الله فعمم وقال في الحافظين لحدود الله وبشر الصابرين على ذلك وهم الذين حبسوا نفوسهم عند الحدود ولم يتعدوها مطلقا وقال في الحافظين فروجهم أعد الله لهم مغفرة أي سترا لأن الفرج عورة تطلب الستر فهو إنباء عن حقيقة قال تعالى قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم فيسترها غيرة وفيها قال ولباس التقوى والوقاية ستر لأنه يتقي بها ما ينبغي أن يتقى منه فجعل التقوى لباسا ينبه أن ذلك ستر والستر الغفر والعورة هي المائلة يريد المائلة إلى الحق عن نفسه ورؤية شهود وجودها فأمر بستر ذلك من أجل الأدب الإلهي لما نسب إليها من المذام وجعلها من الأسرار المكتومة المستورة ألا ترى النكاح يسمى سرا قال الله تعالى لا تواعدوهن سرا وهذا كله يؤذن بالستر فمن صبر على حفظ الحدود وسترها فإن الله يستره بما تطلبه هذه الحقيقة واعلم أن الحفظ حفظان وأهله طبقتان وقد يجتمع الحفظان في شخص واحد وقد تنفرد طبقة واحدة بحفظ واحد فلهذا فصل الله بينهما فأطلق في حق طائفة وقيد في حق أخرى ثم إن الذين أطلق في حقهم الحفظ لحدود الله هم على طبقتين فمنهم من عرف الحدود الذاتية فوقف عندها وذلك العالم الحكيم المشاهد المكاشف صاحب العين السليمة وصاحب هذا المقام قد لا يكون صاحب طريقة معينة لأن الإنسانية تطلبها ومنهم من عرف الحدود الرسمية ولم يعلم الحدود الذاتية وهم أرباب الايمان ومنهم من عرف الحدود الرسمية والذاتية وهم الأنبياء والرسل ومن دعا إلى الله على بصيرة من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فهؤلاء هم الأولى بأن يطلق عليهم الحافظون لحدود الله الذاتية والرسمية معا وأما الحافظون فروجهم فهم على طبقتين منهم من يحفظ فرجه عما أمر بحفظه منه ولا يحفظه مما رغب في استعماله لأمور إلهية وحكم ربانية أظهرها إبقاء النوع على طريق القربة ومنهم من
(٣٠)