مجلي صورة التواب فرأى نفسه فأحبها لأنه الجميل فهو يحب الجمال والكون مظاهره فما تعلقت محبته إلا به فإن الصور منه وعين العبد في العناية الإلهية غرق فالتائب راجع إليه من عين المخالفة ولو رجع ألف مرة في كل يوم فما يرجع إلا من المخالفة لي عين واحدة وهو القابل التوب خاصة والتواب ينتقل في الآنات مع الأنفاس من الله إلى الله بالموافقات بل لا يكون إلا كذلك وإن ظهرت في الظاهر ممن هذه صفته عند الله مخالفة فلجهل الناظر بالصورة التي أدخلت عليه الشبهة فإنه يتخيل أنه قد اجتمع معه في الحكم وما عنده خبر أنه ممن قيل له اعمل ما شئت وأبيح له ما حجر على غيره ثم بين له فقال فقد غفرت لك أي سترتك عن خطاب التحجير فالتواب هو المجهول في الخلق لأنه محبوب والمحب غيور على محبوبه فستره عن عيون الخلق فإنه لو كشفه لعباده ونظروا إلى حسن المعنى في باطنه لأحبوه ولو أحبوه لصرفوا همتهم إليه فآثروا فيه الإقبال عليهم تخلقا حقيقيا من قوله اذكروني أذكركم واتبعوني يحببكم الله فكان سبب إقبال الحق على العبد إقبال العبد على أمر الحق فما ظنك بالمخلوق فهو أسرع في الإقبال عليهم لأنه محل يقبل الأثر فلهذا القبول الصادر منهم لو أحبهم الخلق سترهم فلم يعرفوا فهم العرائس المخدرات خلف حجاب الغيرة فيقال فيهم مذنبون وليسوا والله بمذنبين بل مصانين محفوظين وهذا المقام هو مقام التوبة من التوبة أي من التوبة التي يقال في صاحبها تائب بالتوبة التي يقال في صاحبها تواب قال بعضهم في ذلك يا ربة العود خذي في الغنا * وحركي من صوته ماونا فإن مسود قميص الدجى * لونه الصبح بما لونا قد تاب أقوام كثير وما * تاب من التوبة إلا أنا ولنا في هذا المقام على أتم إشارة من قول الأول ما فاز بالتوبة إلا الذي * قد تاب منها والورى نوم فمن يتب أدرك مطلوبه * من توبة الناس ولا يعلموا فالتوابون أحباب الله بنص كتابه الناطق بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ومن الأولياء أيضا المتطهرون من رجال ونساء رضي الله عنهم تولاهم الله القدوس بتطهيره فتطهيرهم تطهير ذاتي لا فعلي وهي صفة تنزيه وهو تعمل في الطهارة ظاهرا وفي الحقيقة ليس كذلك ولهذا أحبهم الله فإنها صفة ذاتية له يدل عليها اسمه القدوس السلام فأحب نفسه والصورة فيهم مثل الصورة في التوابين ولهذا قرن بينهما في آية واحدة فقال إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين فعين محبته لهم ليعلم أن صفة التوبة ما هي صفة التطهير وجاور بينهما لأحدية المعاملة من الله في حقهما من كونه ما أحب سوى نفسه واعلم أن المتطهر في هذا الطريق من عباد الله الأولياء هو الذي تطهر من كل صفة تحول بينه وبين دخوله على ربه ولهذا شرع في الصلاة الطهارة لأن الصلاة دخول على الرب لمناجاته والصفات التي تحول بين العبد وبين دخوله على ربه هي كل صفة ربانية لا تكون إلا لله وكل صفة تدخله على ربه ويقع بها لهذا العبد التطهير فهي صفاته التي لا يستحقها إلا العبد ولا ينبغي أن تكون إلا له ولو خلع الحق عليه جميع الصفات التي لا تنبغي إلا له ولا بد من خلعها عليه لا تبرح ذاته من حيث تجلى الرب له موصوفة بصفاته التي له فإن كان التجلي ظاهرا كان حكم صفاته عليه ظاهرا مثل الخشوع والخضوع وخمود الجوارح وسكون الأعضاء والارتعاش الضروري وعدم الالتفات وإن كان التجلي باطنا لقلبه كان أيضا حكم صفاته في باطنه قائما وسواء كان موصوفا في ظاهره في ذلك الحال بصفة ربانية أي حكمها ظاهر عليه من قهره استيلاء أو قبض أو عطاء أو عطف أو حنان فالتجلي في الباطن بصفات العبودة لازم لا ينفك عنه باطن المتطهر أبدا فإن طهارة القلب مثل سجوده إذا تطهر وصح تطهيره لا تنتقض طهارته أبدا وكل من قال في هذا بتجديد طهارة القلب وأن طهارته يدخل عليها في القلب ما ينقضها فهو حديث نفس أعني طهره ما تطهر قط فإن طهارة القلب مؤيدة وهؤلاء هم المتطهرون الذين أحبهم الله وهي حالة مكتسبة يتعمل لها الإنسان فإن التفعل تعمل الفعل ثم الكلام في التعمل في ذلك على صورة ما ذكرناه في التواب سواء آنفا
(٣٢)