فليسوا بأجناد وإن كانوا مؤمنين والجامع لمعرفة هذه الطبقة أن كل شخص يقدر على دفع عدو بآلة تكون عنده فهو من جنده سبحانه وتعالى الذين لهم الغلبة والقهر وهو التأبيد الإلهي الذي به يقع ظهورهم على الأعداء قال تعالى فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ومن الأولياء أيضا الأخيار من رجال ونساء رضي الله عنهم قال الله تعالى وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار تولاهم الله بالخيرة قال تعالى أولئك لهم الخيرات جمع خيرة وهي الفاضلة من كل شئ ومنه فيهن خيرات حسان والفضل يقتضي الزيادة على ما يقع فيه الاشتراك مما لا يشترك فيه من ليس من ذلك الجنس فالأخيار كل من زاد على جميع الأجناس بأمر لا يوجد في غير جنسه من العلم بالله على طريق خاص لا يحصل إلا لأهل ذلك الجنس ثم في هذا الجنس العالم بهذا العلم الخاص الذي به سموا أخيارا منهم من أعطى الإفصاح عما علمه ومنهم من لم يعط الإفصاح عما علمه في نفسه فالذي أعطى الإفصاح أخير ممن هو دونه وهو المستحق بهذا الاسم فإن الخير بالكسر الكلام يقال في فلان كرم وخير أي كرم وفصاحة فإذا أعطى الفصاحة عما عنده اهتدى به من سمع منه فكانت المنفعة به أتم فكان أفضل من غيره فإنه أقرب إلى التشبه بالاسم النافع فاعلم ذلك فقد بينت لك مرتبة الأخيار ولهذا ورد في أوصاف المرسلين لأن الرسول لا بد أن يكون مؤيدا بالنطق ليبين لمن أرسل إليه ما أرسل به إليه فهم الأخيار أي أصحاب هذه الفضيلة ومن الأولياء أيضا الأوابون من رجال ونساء رضي الله عنهم تولاهم الله بالأوبة في أحوالهم قال تعالى إنه كان للأوابين غفورا يقال آبت الشمس لغة في غابت فالرجال الغائبون عند الله فلم يشهد حالهم مع الله أحد من خلق الله فإن الله وصف نفسه بأنه غفور لهم أي ساتر أي يستر مقامهم عن كل أحد سواه لأنهم طلبوا الغيبة عنده حتى لا يكون لهم مشهود سواه سبحانه والآئب أيضا الذي يأتي القوم ليلا كالطارق والليل ستر وهم الراجعون إلى الله في كل حال من كل ناحية يقال جاءوا من كل أوبة أي ناحية فالأواب الراجع إلى الله من كل ناحية من الأربع التي يأتي منها إبليس إلى الإنسان من ناحية أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم فهم يرجعون في ذلك كله إلى الله أولا وآخرا فيما ذم وحمد من ذلك ولما اقتضى الأدب أن لا يرجعوا في حصول ما ذم إلى الله واقتضى لهؤلاء هذا الحال أن يرجعوا فيه إلى الله سمى نفسه غفورا للأوابين أي يغفر لهم هذا القدر الذي يصحبه من مقام آخر من سوء الأدب فالرجال الذين هم بهذه المثابة وهذه الصفة هم الأوابون ومن الأولياء أيضا المخبتون من رجال ونساء رضي الله عنهم تولاهم الله بالإخبات وهو الطمأنينة قال إبراهيم عليه السلام ولكن ليطمئن قلبي أي يسكن والخبت المطمئن من الأرض فالذين اطمأنوا بالله من عباده وسكنت قلوبهم لما اطمأنوا إليه سبحانه فيه وتواضعوا تحت اسمه رفيع الدرجات وذلوا لعزته وأولئك هم المخبتون الذين أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه أن يبشرهم فقال له وبشر المخبتين فإن قيل ومن المخبتون فقل الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون فهذه صفات المخبتين أي كانوا ساكنين فحركهم ذكر الله بحسب ما وقع به الذكر وصبروا أي حبسوا نفوسهم على ما أصابهم من ذلك ولم يمنعهم ذلك الوجل ولا غلبة الحال عن إقامة الصلاة إذا حضر وقتها على أتم نشأتها لما أعطاهم الله من القوة على ذلك ثم مع ما هم فيه من الصبر على ما نابهم من الشدة فسألهم سائل وهم بتلك المثابة في رزق علمي أو حسي من سد جوعة أو ستر عورة أعطوه مما سألهم منه فلم يشغلهم شأن عن شأن فهذا نعت المخبتين الذي نعتهم الله به وهم ساكنون تحت مجاري الأقدار عليهم راضون بذلك من خبت النار إذا سكن لهبها ومن الأولياء أيضا المنيبون إلى الله من رجال ونساء رضي الله عنهم تولاهم الله بالإنابة إليه سبحانه قال تعالى إن إبراهيم لحليم أواه منيب والرجال المنيبون هم الذين رجعوا إلى الله من كل شئ أمرهم الله بالرجوع عنه مع شهودهم في حالهم أنهم نواب عن الله في رجوعهم إذ الرجوع عن الكشف إنما هو لله إذ كانت نواصي الخلق بيده يصرفهم كيف يشاء فمن شاهد نفسه في إنابته إلى ربه نائبا عن الله كما ينوب المصلي عن الله في قوله سمع الله لمن حمده وفي تلاوته كذلك رجوعه إلى الله في كل حال يسمى منيبا فلهم خصوص هذا الوصف ومن الأولياء أيضا المبصرون من رجال ونساء رضي الله عنهم تولاهم الله بالأبصار وهو من صفات خصائص المتقين قال تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا
(٣٦)