يحفظ فرجه إبقاء على نفسه لغلبة عقله على طبعه وغيبته عما سنه أهل السنن من الترغيب في ذلك فإن انفتح له عين وانفرج له طريق إلى ما تعطيه حقيقة الوضع المرغب في النكاح فذلك صاحب فرج فلم يحفظه الحفظ الذي أشرنا إليه وأما صاحب الشرع الحافظ به فلا بد له من الفتح ولكن إذا اقترنت مع الحفظ الهمة فإن لم تقترن معه الهمة فقد يصل إلى هذا المقام وقد لا يصل جعلنا الله من الحافظين لحدود الله الذاتية والرسمية فإن الله بكل شئ حفيظ ومن الأولياء الذاكرون الله كثيرا والذاكرات رضي الله عنهم تولاهم الله بإلهام الذكر ليذكروه فيذكرهم وهذا يتعلق بالاسم الآخر وهو صلاة الحق على العبد فالعبد هنا سابق والحق مصل لأن المقام يقتضيه فإنه قال تعالى اذكروني أذكركم فأخر ذكره إياهم عن ذكرهم إياه وقال من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وقال من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وقال فاتبعوني يحببكم الله فكل مقام إلهي يتأخر عن مقام كوني فهو من الاسم الآخر ومن باب قوله تعالى هو الذي يصلي عليكم فالأمر يتردد بين الإسمين الإلهيين الأول والآخر وعين العبد مظهر لحكم هذين الإسمين وهذا هو الفصل الذي تسميه الكوفيون العماد مثل قوله أنت من قوله كنت أنت الرقيب عليهم فلو لا الاعتماد على عين العبد ما ظهر سلطان هذين الإسمين إذ العين هنالك واحدة لا متحدة وفي العبد متحدة لا واحدة فالأحدية لله والاتحاد للعبد لا الأحدية فإنه لا يعقل العبد إلا بغيره لا بنفسه فلا رائحة له في الأحدية أبدا والحق قد تعقل له الأحدية وقد تعقل بالإضافة لأن الكل له بل هو عين الكل لا كلية جمع بل حقيقة أحدية تكون عنها الكثرة ولا يصح هذا إلا في جناب الحق خاصة فلا يصدر عن الواحد أبدا في قضية العقل إلا واحد إلا أحدية الحق فإن الكثرة تصدر عنها لأن أحديته خارجة عن حكم العقل وطوره فأحدية حكم العقل هي التي لا يصدر عنها إلا واحد وأحدية الحق لا تدخل تحت الحكم كيف يدخل تحت الحكم من خلق الحكم والحاكم لا إله إلا هو العزيز الحكيم فالذكر أعلى المقامات كلها والذاكر هو الرجل الذي له الدرجة على غيره من أهل المقامات كما قال تعالى وللرجال عليهن درجة ومن الذكر سمي الذكر الذي هو نقيض الأنثى فهو الفاعل والأنثى منفعلة كحواء من آدم فقد نبهتك بذكر الحق بمن ذكرك من كونه مصليا فحواء عن ذكر بشري صوري إلهي وعيسى عن ذكر روحي ملكي في صورة بشر فذكر حواء أتم بسبب الصورة وذكر عيسى أتم بالملكية المتجلية في الصورة البشرية المخلوقة على الحضرة الإلهية فجمع بين الصورة والروح فكان نشأة تمامية ظاهره بشر وباطنه ملك فهو روح الله وكلمته فلن يستنكف المسيح أن يكون عبد الله ولا الملائكة المقربون أي من أجل الله لمن ظهر من المخلوقين بالعزة فذلوا لهم تحت العزة الإلهية إذ لا يصح ذلة إلا بظهورها فالأعزاء من الخلائق هم مظاهر العزة الإلهية فالمتواضع من تواضع تحت جبروت المخلوقين والفقير على الحقيقة من افتقر إلى الأغنياء من المخلوقين لأن غنى المخلوق هو مظهر لصفة الحق فالفقير من افتقر إليها ولم يحجبه المظهر عنها وهكذا كل صفة علوية إلهية لا تنبغي إلا لله يكون مظهرها في المخلوقين فإن العلماء بالله يذلون تحت سلطانها ولا يعرف ذلك إلا العلماء بالله فإذا رأيت عارفا بزعم أنه عارف وتراه يتعزز على أبناء الدنيا لما يرى فيهم من العزة والجبروت فاعلم أنه غير عارف ولا صاحب ذوق وهذا لا يصح إلا للذاكرين الله كثيرا والذاكرات أي في كل حال هذا معنى الكثير فإنه من الناس من يكون له هذه الحالة في أوقات ما ثم تنحجب فدل انحجابه على أنها لم تكن هذه المعرفة عنده عن ذوق وإنما كانت عن تخيل وتوهم وتمثل لا عن تحقق ومن الأولياء أيضا التائبون والتائبات والتوابون رضي الله عنهم تولاهم الله بالتوبة إليه في كل حال أو في حال واحد سار في كل مقام واعلم أن الله سبحانه وصف نفسه بالتواب لا بالتائب وذكر محبته للتوابين فقال إن الله يحب التوابين وهم الراجعون منه إليه وأما من رجع إليه من غيره فهو تائب خاصة فإنه لا يرجع إليه من غيره من هذه صفته إلا إلى عين واحدة ومن يرجع منه إليه فإنه يرجع إلى أسماء متعددة في عين واحدة وذلك هو المحبوب ومن أحبه الله كان سمعه وبصره ويده ورجله ولسانه وجميع قواه ومحال قواه أي هو عين قواه بل محال قواه فما أحب إلا نفسه وهو أشد الحب من حب الغير فإن حب الغير من حب النفس وليس حب النفس من حب الغير فالحب الأصلي هو حب الشئ نفسه فإن الله يحب التوابين وهو التواب والتوابون
(٣١)