حق طائفة منهم سبب الوفاء ومن الأولياء أيضا الواصلون ما أمر الله به أن يوصل من رجال ونساء رضي الله عن جميعهم تولاهم الله بالتوفيق بالصلة لمن أمر الله به أن يوصل قال تعالى ويصلون ما أمر الله به أن يوصل يعني من صلة الأرحام وأن يصلوا من قطعهم من المؤمنين بما أمكنهم من السلام عليهم فما فوقه من الإحسان ولا يؤاخذ بالجريمة التي له الصفح عنها والتغافل ولا يقطعون أحدا من خلق الله إلا من أمرهم الحق بقطعه فيقطعونه معتقدين قطع الصفة لا قطع ذواتهم فإن الصفة دائمة القطع في حق هؤلاء اتصف بها من اتصف فهم ينتظرون به رحمة الله أن تشمله والوصل ضد القطع ولما كان الوجود مبنيا على الوصل ولهذا دل العالم على الله واتصف بالوجود الذي هو الله فالوصل أصل في الباب والقطع عارض يعرض ولهذا جعل الله بينه وبين عباده حبلا منه إليهم يعتصمون به ويتمسكون ليصح الوصلة بينهم وبين الله سبحانه قال النبي صلى الله عليه وسلم الرحم شجنة من الرحمن أي هذه اللفظة أخذت من الاسم الرحمن عينا وغيبا فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله وقطعه إياها هو قطع الله لا أمر زائد فلما علموا أن الحق تعالى ما دعاهم إليه ولا شرع لهم الطريق الموصل إليه إلا ليسعدوا بالاتصال به فهم الواصلون أهل الأنس والوصال فهم الذين همو همو أهل المودة في القديم وقد ورد في الخبر لا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا فنهوا عن التقاطع ألا ترى اتصال الأنفاس داخلها بخارجها يؤذن بالبقاء والحياة فإذا انقطعت الوصلة بين النفسين فخرج الداخل يطلب دخول الخارج فلم يجده مات الإنسان لانقطاع تلك الوصلة التي كانت بين النفسين فالواصلون ما أمر الله به أن يوصل ذلك هو عين وصلتهم بالله تعالى فأثنى عليهم ومن الأولياء أيضا الخائفون من رجال ونساء رضي الله عنهم تولاهم الله بالخوف منه أو مما خوفهم منه امتثالا لأمره فقال وخافون إن كنتم مؤمنين وأثنى عليهم بأنهم يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ويخافون سوء الحساب فإذا خافوه التحقوا بالملأ الأعلى في هذه الصفة فإنه قال فيهم يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون فمن كان بهذه المثابة تميز مع الملأ الأعلى فمن أدبهم مع الله أنهم خافوا اليوم لما يقع فيه لكون الله خوفهم ومنه ولما تحققوا بهذا الأدب أثنى الله عليهم بأنهم يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار فهذا خوف الزمان وأما خوف الحال فهو قوله ويخافون سوء الحساب فهم أهل أدب مع الله وفقوا له حيث وفقهم فإن كثيرا من أهل الله لا يتفطنون لهذا الأدب ولا يعرجون على ما خوفوا به من الأكوان وعلقوا أمرهم بالله فهؤلاء لهم لقب آخر غير اسم الخائف وإنما الخائفون الذين استحقوا هذا الاسم فهم الأدباء أوحى الله إلى رسوله موسى عليه السلام يا موسى خفني وخف نفسك يعني هواك وخف من لا يخافني وهم أعداء الله فأمره بالخوف من غيره فامتثل الأدباء أمر الله فخافوهم في هذا الموطن كما شكروا غير الله من المحسنين إليهم بأمر الله لا من حيث إيصال النعم إليهم على أيديهم فهم في عبادة إلهية في شكرهم وفي خوفهم وهذا صراط دقيق خفي على العارفين فما ظنك بالعامة وأما المتوسطون أصحاب الأحوال فلا يعرفونه لأنهم تحت سلطان أحوالهم أو من الأولياء أيضا المعرضون عمن أمرهم الله بالإعراض عنه من رجال ونساء رضي الله عنهم تولاهم الله بالإعراض عنهم قال تعالى والذين هم عن اللغو معرضون وقال فأعرض عن من تولى عن ذكرنا وقد علمت هذه الطبقة أنه ما ثم إلا الله فأعرضوا بأمره عن فعله فكانوا أدباء زمانهم ولم يعرضوا بأنفسهم إذ المؤمن لا نفس له فإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم فمن ادعى الايمان وزعم أن له نفسا يملكها فليس بمؤمن فقال الحق لمن هذه صفته فأعرض بها يعني بالنفس التي اشتريتها منك أعرض بها عن من تولى عن ذكرنا ممن لم نشتر منه نفسه لكونه غير مؤمن فقوله الذين هم عن اللغو معرضون أي عن الذي أسقطه الله عن أن يعتبر معرضون لكون الحق أسقط يقال لما لا يعتد به في الدية من أولاد الإبل لغو أي ساقط ومنه لغو اليمين لإسقاط الكفارة والمؤاخذة بها فأثنى الله عليهم بالإعراض وإن تحققوا أنه ما ثم إلا الله ومن الأولياء أيضا الكرماء من رجال ونساء رضي الله عنهم تولاهم الله بكرم النفوس فقال تعالى وإذا مروا باللغو مروا كراما أي لم ينظروا لما أسقط الله النظر إليه فلم يتدنسوا بشئ منه فمروا به غير ملتفين إليه كراما فما أثر فيهم فإنه مقام تستحليه النفوس وتقبل عليه للمخالفة التي جبلها الله عليها وهذه هي النفوس الآبية أي
(٣٨)