وبالله التوفيق وهو الهادي إلى الصراط المستقيم ومن الأولياء أيضا الحامدون من رجال ونساء رضي الله عنهم تولاهم الله بعواقب ما تعطيه صفات الحمد فهم أهل عاقبة الأمور قال الله تعالى ولله عاقبة الأمور فالحامد من عباد الله من يرى في الحمد المطلق على ألسنة العالم كله سواء كان الحامدون من أهل الله أو لم يكونوا وسواء كان المحمود الله أو كان مما يحمد الناس به بعضهم بعضا فإنه في نفس الأمر يرجع عواقب الثناء كله إلى الله لا إلى غيره فالحمد إنما هو لله خاصة بأي وجه كان فالحامدون الذين أثنى الله عليهم في القرآن هم الذين طالعوا نهايات الأمور في ابتدائها وهم أهل السوابق فشرعوا في حمده ابتداء بما يرجع إليه سبحانه وتعالى جل جلاله من حمد المحجوبين انتهاء فهؤلاء هم الحامدون على الشهود بلسان الحق ومن الأولياء أيضا السائحون وهم المجاهدون في سبيل الله من رجال ونساء قال صلى الله عليه وسلم سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله قال تعالى التائبون العابدون الحامدون السائحون والسياحة المشي في الأرض للاعتبار برؤية آثار القرون الماضية ومن هلك من الأمم السالفة وذلك أن العارفين بالله لما علموا أن الأرض تزهو وتفخر بذكر الله عليها وهم رضي الله عنهم أهل إيثار وسعى في حق الغير ورأوا أن المعمور من الأرض لا يخلو عن ذاكر لله فيه من عامة الناس وأن المفاوز المهلكة البعيدة عن العمران لا يكون فيها ذاكر لله من البشر لزم بعض العارفين السياحة صدقة منهم على البيداء التي لا يطرقها إلا أمثالهم وسواحل البحار وبطون الأودية وقنن الجبال والشعاب والجهاد في أرض الكفر التي لا يوحد الله تعالى فيها ويعبد فيها غير الله ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم سياحة هذه الأمة الجهاد فإن الأرض وإن لم يكفر عليها ولا ذكر الله فيها أحد من البشر فهي أقل حزنا وهما من الأرض التي عبد غير الله فيها وكفر عليها وهي أرض المشركين والكفار فكان السياحة بالجهاد أفضل من السياحة في غير الجهاد ولكن بشرط أن يذكر الله عليها ولا بد فإن ذكر الله في الجهاد أفضل من لقاء العدو فيضرب المؤمنون رقابهم ويضرب الكفار رقاب المؤمنين والمقصود إعلاء كلمة الله في الأماكن التي يعلو فيها ذكر غير الله ممن يعبد من دون الله فهؤلاء هم السائحون لقيت من أكابرهم يوسف المغاور الجلاء ساح مجاهدا في أرض العدو عشرين سنة وممن رابط بثغر الأعداء شاب بجلمانية نشأ في عبادة الله تعالى يقال له أحمد بن همام الشقاق بالأندلس وكان من كبار الرجال مع صغر سنة انقطع إلى الله تعالى على هذه الطريق وهو دون البلوغ واستمر حاله على ذلك إلى أن مات ومن الأولياء أيضا الراكعون من رجال ونساء رضي الله عنهم وصفهم الله في كتابه بالراكعين وهو الخضوع والتواضع لله تعالى من حيث هويته سبحانه ولعزته وكبريائه حيث ظهر من العالم إذ كان العارف لا ينظر العالم من حيث عينه وإنما ينظره من حيث هو مظهر لصفات الحق قال الله تعالى كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار وقال ذق إنك أنت العزيز الكريم وقال الكبرياء ردائي والعظمة إزاري من نازعني واحدا منهما قصمته فالعين هالكة والصفة قائمة فالراكعون ركعوا للصفة لا للعين لأنهم سمعوا الحق يقول من نازعني واحدا منهما قصمته فعلموا أنها صفة الحق لا صفتهم ولهذا أوقع التنازع فيهما فعرفوا من العالم ما لم يعرف العالم من نفسه فلو كان الكبرياء والجبروت والعزة والعظمة التي يدعيها العزيز الجبار العظيم المتكبر من العباد صفة لهم حقيقة لما ذمهم ولا أخذهم أخذة رابية كما أنه لم يأخذهم بكونهم أذلاء خاشعين حقراء محقرين فإن الحقارة والذلة والصغار صفتهم فمن ظهر بصفته لم يؤاخذه الله لأنه كيف يؤاخذه إذا ظهر بما هو حق له ولما لم يكن لهم الجبروت وما في معناه وظهروا به أهلكهم الله فتحقق عند العارفين أنها صفة الحق تعالى ظهرت فيمن أراد الله أن يشقيه فتواضع العارفون للجبابرة والمتكبرين من العالم للصفة لا لعينهم إذ كان الحق هو مشهودهم في كل شئ حتى الانحناء في السلام عند الملاقاة ربما انحنى العارفون لإخوانهم عند ما يلقونهم في سلامهم فيسر بذلك الشخص الذي ينحني من أجله وسروره إنما هو من جهله بنفسه حيث تخيل أن ذلك الانحناء والركوع له ممن لقيه إنما هو لما يستحقه من الرفعة فيفعله عامة الأعاجم مقابلة جهل بجهل وعادة وعرفا وهم لا يشعرون ويفعله العارفون مشاهدة جبروت إلهي يجب الانحناء له إذ لا يرون إلا الله قال لبيد ألا كل شئ ما خلا الله باطل والباطل هو العدم بلا شك والوجود كله حق فما ركع الراكع إلا لحق وجودي
(٣٣)