وعلى مثل هذا تجري أفعاله وأما السابق بالخيرات وهو المبادر إلى الأمر قبل دخول وقته ليكون على أهبة واستعداد وإذا دخل الوقت كان متهيئا لأداء فرض الوقت لا يمنعه من ذلك مانع كالمتوضئ قبل دخول الوقت والجالس في المسجد قبل دخول وقت الصلاة فإذا دخل الوقت كان على طهارة وفي المسجد فيسابق إلى أداء فرضه وهي الصلاة وكذلك إن كان له مال أخرج زكاته وعينها ليلة فراع الحول ودفعها لربها في أول ساعة من الحول الثاني للعامل الذي يكون عليها وكذلك في جميع أفعال البر كلها يبادر إليها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال بم سبقتني إلى الجنة فقال بلال ما أحدثت قط إلا توضأت ولا توضأت إلا صليت ركعتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما فهذا وأمثاله من السابق بالخيرات وهو كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المشركين في شبابه وحداثة سنه ولم يكن مكلفا بشرع فانقطع إلى ربه وتحنث وسابق إلى الخيرات ومكارم الأخلاق حتى أعطاه الله الرسالة (وصل) واعلم أن الله تعالى قد وصف أقواما من النساء والرجال بصفات أذكرها إن شاء الله إذ كان الزمان لا يخلو أبدا عن رجال ونساء قائمين بهذا الوصف مثل قوله إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات ثم قال أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما فأعد الله لهم المغفرة قبل وقوع الذنب المقدر عليهم عناية منه فدل ذلك على أنهم من العباد الذين لا تضرهم الذنوب وقد ورد في الصحيح من الخبر الإلهي اعمل ما شئت فقد غفرت لك فما وقعت من مثل هؤلاء الذنوب إلا بالقدر المحتوم لا انتهاكا للحرمة الإلهية قيل لأبي يزيد أيعصي العارف قال وكان أمر الله قدرا مقدورا فتقع المعصية من العارفين أهل العناية بحكم التقدير لنفوذ القضاء السابق فلا بد من ذكر هؤلاء الأصناف ليتبين من هو المسلم والمسلمة والمؤمن والمؤمنة ومن وصف الله منهم الذين لهم هذه المرتبة من أعداد المغفرة لهم والأجر العظيم قبل وقوع الذنب منهم وقبل حصول العمل وأمر قد عظمه الله لا يكون إلا عظيما وكذلك قوله أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وكذلك قوله تعالى التائبون العابدون وقد ذكرنا العباد ثم قال الحامدون السائحون والسياحة في هذه الأمة الجهاد وقد قال تعالى في خليله إن إبراهيم لأواه حليم فلا بد من ذكر الأواهين والحلماء وقال فيه لحليم أواه منيب فأثنى عليه بالإنابة وقال فيه إنه أواب فذكره بالأوبة فهؤلاء الأصناف لا بد من ذكرهم في هذا الباب ليقع عند السامع تعيين هذه الصفة ومنزلة هذا الموصوف بها وكذلك أولو النهى وأولو الأحلام وأولو الألباب وأولو الأبصار فما نعتهم الله بهذه النعوت سدى والمتصفون بهذه الأوصاف قد طالبهم الحق بما تقتضيه هذه الصفات وما تثمر لهم من المنازل عند الله فإن هذا الباب باب شريف من أشرف أبواب هذا الكتاب يتضمن ذكر الرجال وعلوم الأولياء ونحن نستوفيها إن شاء الله أو نقارب استيفاء ذلك على القدر الذي رسم لنا وعينه الحق تعالى في واقعتنا فإن المبشرات هي التي أبقى الله لنا من آثار النبوة التي سد بابها وقطع أسبابها فقذف به في قلوبنا ونفث به الروح المؤيد القدسي في نفوسنا وهو الإلهام الإلهي والعلم اللدني نتيجة الرحمة التي أعطاها الله من عنده من شاء من عباده فمنهم رضي الله عنهم الأولياء قال تعالى ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون مطلقا ولم يقل في الآخرة فالولي من كان على بينة من ربه في حاله فعرف ما له بأخبار الحق إياه على الوجه الذي يقع به التصديق عنده وبشارته حق وقوله صدق وحكمه فصل فالقطع حاصل فالمراد بالولي من حصلت له البشرى من الله كما قال تعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم وأي خوف وحزن يبقى مع البشرى بالخير الذي لا يدخله تأويل فهذا هو الذي أريد بالولي في هذه الآية ثم إن أهل الولاية على أقسام كثيرة فإنها أعم فلك إحاطي فنذكر أهلها من البشر إن شاء الله وهم الأصناف الذين نذكرهم مضافا إلى ما تقدم في هذا الباب من ذكرهم ممن حصرتهم الأعداد ومن لا يحصرهم عدد انتهى الجزء السابع والسبعون
(٢٣)