هيولى لها أو أرواح لها والوجود ظاهر تلك الأرواح وصور تلك الأعيان الهيولائية فالوجود كله حق ظاهر وباطنه الأشياء فالحديث الإلهي من بين الأشياء أوضح عند السامع في الدلالة إنه هو المكلم من أن يكلمنا في الأشياء فافهم والله تعالى الملهم ومنهم رضي الله عنهم الأخلاء ولا عدد يحصرهم بل يكثرون ويقلون قال الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا وقال النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله والمخاللة لا تصح إلا بين الله وبين عبده وهو مقام الاتحاد ولا تصح المخاللة بين المخلوقين وأعني من المخلوقين من المؤمنين ولكن قد انطلق اسم الأخلاء على الناس مؤمنيهم وكافريهم قال تعالى الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوا لا المتقين فالخلة هنا للعاشرة وقد ورد أن المرء على دين خليله وقيل في مقام الخلة قد تخللت مسلك الروح مني وبذا سمي الخليل خليلا وإنما قلنا لا تصح الخلة إلا بين الله وبين عبده لأن أعيان الأشياء متميزة وكون الأعيان وجود الحق لا غير ووجود الشئ لا يمتاز عن عينه فلهذا لا تصح الخلة إلا بين الله وعبيده خاصة إذ هذا الحال لا يكون بين المخلوقين لأنه لا يستفاد من مخلوق وجود عين فاعلم ذلك واعلم أن شروط الخلة لا تصح بين المؤمنين ولا بين النبي وتابعيه فإذا لم تصح شروطها لا تصح هي في نفسها ولكن في دار التكليف فإن النبي والمؤمن بحكم الله لا بحكم خليله ولا بحكم نفسه ومن شروط الخلة أن يكون الخليل بحكم خليله وهذا لا يتصور مطلقا بين المؤمنين ولا بين الرسل وأتباعهم في لدار الدنيا والمؤمن تصح الخلة بينه وبين الله ولا تصح بينه وبين الناس لكن تسمى المعاشرة التي بين الناس إذا تأكدت في غالب الأحوال خلة فالنبي ليس له خليل ولا هو صاحب لا حد سوى نبوته وكذلك المؤمن ليس له خليل ولا صاحب سوى إيمانه كما إن الملك ليس هو صاحب أحد سوى ملكه فمن كان بحكم ما يلقى إليه ولا يتصرف إلا عن أمر إلهي فلا يكون خليلا لا حد ولا صاحبا أبدا فمن اتخذ من المؤمنين خليلا غير الله فقد جهل مقام الخلة وإن كان عالما بالخلة والصحبة ووفاها حقها مع خليله وهو حاكم فقد قدح في إيمانه لما يؤدي ذلك إليه من إبطال حقوق الله فلا خليل إلا الله فالمقام عظيم وشأنه خطير والله الموفق لا رب غيره ومنهم رضي الله عنهم السمراء ولا عدد يحصرهم وهم صنف خاص من أهل الحديث قال تعالى وشاورهم في الأمر وهذا الصنف لا حديث لهم مع الأرواح فحديثهم مع الله من قوله تعالى يدبر الأمر يفصل الآيات فجليسهم من الأسماء الإلهية المدبر المفصل وهم من أهل الغيب في هذا المقام لا من أهل الشهادة ومنهم رضي الله عنهم الورثة وهم ثلاثة أصناف ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات قال تعالى ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير وقال صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء وكان شيخنا أبو مدين يقول في هذا المقام من علامات صدق المريد في إرادته فراره عن الخلق ومن علامات صدق فراره عن الخلق وجوده للحق ومن علامات صدق وجوده للحق رجوعه إلى الخلق وهذا هو حال الوارث للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يخلو بغار حراء ينقطع إلى الله فيه ويترك بيته وأهله ويفر إلى ربه حتى فجئه الحق ثم بعثه الله رسولا مرشدا إلى عباده فهذه حالات ثلاث ورثه فيها من اعتنى الله به من أمته ومثل هذا يسمى وارثا فالوارث الكامل من ورثه علما وعملا وحالا فأما قوله تعالى في الوارث للمصطفى إنه ظالم لنفسه يريد حال أبي الدرداء وأمثاله من الرجال الذين ظلموا أنفسهم لأنفسهم أي من أجل أنفسهم حتى يسعدوها في الآخرة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لنفسك عليك حقا ولعينك عليك حقا فإذا صام الإنسان دائما وسهر ليله ولم ينم فقد ظلم نفسه في حقها وعينه في حقها وذلك الظلم لها من أجلها ولهذا قال ظالم لنفسه فإنه أراد بها العزائم وارتكاب الأشد لما عرف منها ومن جنوحها إلى الرخص والبطالة وجاءت السنة بالأمرين لأجل الضعفاء فلم يرد الله تعالى بقوله ظالم لنفسه الظلم المذموم في الشرع فإن ذلك ليس بمصطفى وأما الصنف الثاني من ورثة الكتاب فهو المقتصد وهو الذي يعطي نفسه حقها من راحة الدنيا ليستعين بذلك على ما يحملها عليه من خدمة ربها في قيامه بين الراحة وأعمال البر وهو حال بين حالين بين العزيمة والرخصة ففي قيام الليل يسمى المقتصد متهجدا لأنه يقوم وينام
(٢٢)