(بسم الله الرحمن الرحيم) فمن الأولياء رضي الله عنهم الأنبياء صلوات الله عليهم تولاهم الله بالنبوة وهم رجال اصطنعهم لنفسه واختارهم لخدمته و اختصهم من سائر العباد لحضرته شرع لهم ما تعبدهم به في ذواتهم ولم يأمر بعضهم بأن يعدي تلك العبادات إلى غيرهم بطريق الوجوب فمقام النبوة مقام خاص في الولاية فهم على شرع من الله أحل لهم أمور أو حرم عليهم أمورا قصرها عليهم دون غيرهم إذ كانت الدار الدنيا تقتضي ذلك لأنها دار الموت والحياة وقد قال تعالى الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم والتكليف هو الابتلاء فالولاية نبوة عامة والنبوة التي بها التشريع نبوة خاصة تعم من هو بهذه المثابة من هذا الصنف وهي مقام الرفعة في الخطاب الإلهي إذا لم يؤمر لا غير لا في المشاهدة فمقام النبوة علو في الخطاب ومن الأولياء رضوان الله عليهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم تولاهم الله بالرسالة فهم النبيون المرسلون إلى طائفة من الناس أو يكون إرسالا عاما إلى الناس ولم يحصل ذلك إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم فبلغ عن الله ما أمره الله بتبليغه في قوله يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وما على الرسول إلا البلاغ فمقام التبليغ هو المعبر عنه بالرسالة لا غير وما توقفنا عن الكلام في مقام الرسول والنبي صاحب الشرع إلا إن شرط أهل الطريق فيما يخبرون عنه من المقامات والأحوال أن يكون عن ذوق ولا ذوق لنا ولا لغيرنا ولا لمن ليس بنبي صاحب شريعة في نبوة التشريع ولا في الرسالة فكيف نتكلم في مقام لم نصل إليه وعلى حال لم نذقه لا أنا ولا غيري ممن ليس بنبي ذي شريعة من الله ولا رسول حرام علينا الكلام فيه فما نتكلم إلا فيما لنا فيه ذوق فما عدا هذين المقامين فلنا الكلام فيه عن ذوق لأن الله ما حجره ومن الأولياء أيضا الصديقون رضي الله عن الجميع تولاهم الله بالصديقية قال تعالى في الذين آمنوا بالله ورسوله أولئك هم الصديقون فالصديق من آمن بالله ورسوله عن قول المخبر لا عن دليل سوى النور الإيماني الذي يجده في قلبه المانع له من تردد أو شك يدخله في قول المخبر الرسول ومتعلقة على الحقيقة الايمان بالرسول ويكون الايمان بالله على جهة القربة لا على إثباته إذ كان بعض الصديقين قد ثبت عندهم وجود الحق ضرورة أو نظرا ولكن ما ثبت كونه قربة وهذه الآية تدل على شرف إثبات الوجود ثم إن الرسول إذا آمن به الصديق آمن بما جاء به ومما جاء به توحيد الإله وهو قوله قولوا لا إله إلا الله أو اعلم أنه لا إله إلا الله فعلم أنه واحد في ألوهيته من حيث قوله واعلم أنه لا إله إلا الله فذلك يسمى إيمانا ويسمى المؤمن به على هذا الحد صديقا فإن نظر في دليل يدل على صدق قوله فاعلم أنه لا إله إلا الله وعثر على توحيده بعد نظره فصدق الرسول في قوله وصدق الله في قوله له لا إله إلا الله فليس بصديق وهو مؤمن عن دليل فهو عالم فقد بان لك منزل الصديقية وأن الصديق هو صاحب النور الإيماني الذي يجده ضرورة في عين قلبه كنور البصر الذي جعله الله في البصر فلم يكن للعبد فيه كسب كذلك نور الصديق في بصيرته ولهذا قال أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم من حيث الشهادة ونورهم من حيث الصديقية فجعل النور للصديقية والأجر للشهادة وهي بنية مبالغة في التصديق والصديق كشريب وخمير وسكير فليس بين النبوة التي هي نبوة التشريع والصديقية مقام ولا منزلة فمن تخطى رقاب الصديقين وقع في النبوة الرسالية ومن ادعى نبوة التشريع بعد محمد صلى الله عليه وسلم فقد كذب بل كذب وكفر بما جاء به الصادق رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أن ثم مقام القربة وهي النبوة العامة لا نبوة التشريع فيثبتها نبي التشريع فيثبتها الصديق لإثبات النبي المشرع إياها لا من حيث نفسه وحينئذ يكون صديقا كمسألة موسى والخضر وفتى موسى الذي هو صديقه ولكل رسول صديقون إما من عالم الإنس والجان أو من أحدهما فكل من آمن عن نور في قلبه ليس له دليل من خارج سوى قول الرسول قل ولا يجد توقفا وبادر فذلك الصديق فإن آمن عن نظر ودليل من خارج أو توقف عند القول حتى أوجد الله ذلك النور في قلبه فآمن فهو مؤمن لا صديق فنور الصديق معد قبل وجود المصدق به ونور المؤمن غير الصديق يوجد بعد قول الرسول قل لا إله إلا الله ونور المؤمن يكونه قربة بعد النظر في الدليل الذي أعطاه العلم بالتوحيد فهو في علمه بالتوحيد صاحب نور علم لا نور إيمان وهو
(٢٤)