في كون ذلك العلم والنظر قربة إلى الله صاحب نور إيمان فإن نور العلم بتوحيد الله قد شهدوا الله بتوحيده قبل ذلك والرسل منهم قد وحدوه قبل أن يكونوا أنبياء ورسلا فإن الرسول ما أشرك قط قال تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ولم يقل وأولو الايمان فرتبة العلم فوق رتبة الايمان بلا شك وهي صفة الملائكة والرسل وقد يكون حصول ذلك العلم عن نظر أو ضرورة كيفما كان فيسمى علما إذ لا قائل ولا مخبر يلزم التصديق بقوله وهذا المقام الذي أثبتناه بين الصديقية ونبوة التشريع الذي هو مقام القربة وهو للافراد هو دون نبوة التشريع في المنزلة عند الله وفوق الصديقية في المنزلة عند الله وهو المشار إليه بالسر الذي وقر في صدر أبي بكر ففضل به الصديقين إذ حصل له ما ليس من شرط الصديقية ولا من لوازمها فليس بين أبي بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لأنه صاحب صديقية وصاحب سر فهو من كونه صاحب سر بين الصديقية ونبوة التشريع ويشارك فيه فلا يفضل عليه من يشاركه فيه بل هو مساو له في حقيقته فافهم ذلك ومن الأولياء أيضا الشهداء رضي الله عن جميعهم تولاهم الله بالشهادة وهم من المقربين وهم أهل الحضور مع الله على بساط العلم به قال تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم فجمعهم مع الملائكة في بساط الشهادة فهم موحدون عن حضور إلهي وعناية أزلية فهم الموحدون وشأنهم عجيب وأمرهم غريب والايمان فرع عن هذه الشهادة فإن بعث رسول وآمنوا به أعني هؤلاء الشهداء فهم المؤمنون العلماء ولهم الأجر التام يوم القيامة وإن لم يؤمنوا فليس هم الشهداء الذين أنعم الله عليهم في قوله أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ولولا قوله وحسن أولئك رفيقا ألحقنا هؤلاء الشهداء بحصول النعمة التي لأصحاب هذه الآية فإنهم وإن كانوا موحدين غير مؤمنين مع وجود الرسول إليهم لم تحسن مرافقتهم للمؤمنين فإنهم يشوشون على المؤمنين إيمانهم وهؤلاء الشهداء الذين تعمهم هذه الآية هم العلماء بالله المؤمنون بعد العلم بما قال سبحانه إذ ذلك قربة إليه من حيث قاله الله أو قاله الرسول الذي جاء من عند الله فقدم الصديق على الشهيد وجعله بإزاء النبي فإنه لا واسطة بينهما لاتصال نور الايمان بنور الرسالة والشهداء لهم نور العلم مساوق لنور الرسول من حيث ما هو شاهد لله بتوحيده لا من حيث هو رسول فلا يصح أن يكون بعده مع المساوقة فكانت المساوقة تبطل ولا يصح أن يكون معه لكونه رسولا والشاهد ليس برسول فلا بد أن يتأخر فلم يبق إلا أن يكون في الرتبة التي تلي الصديقية فإن الصديق أتم نورا من الشهيد في الصديقية لأنه صديق من وجهين من وجه التوحيد ومن وجه القربة والشهيد من وجه القربة خاصة لا من وجه التوحيد فإن توحيده عن علم لا عن إيمان فنزل عن الصديق في مرتبة الايمان وهو فوق الصديق في مرتبة العلم فهو المتقدم في رتبة العلم المتأخر برتبة الايمان والتصديق فإنه لا يصح من العالم أن يكون صديقا وقد تقدم العلم مرتبة الخبر فهو يعلم أنه صادق في توحيد الله إذا بلغ رسالة الله والصديق لم يعلم ذلك إلا بنور الايمان المعد في قلبه فعند ما جاءه الرسول اتبعه من غير دليل ظاهر فقد عرفت منازل الشهداء عند الله ومن الأولياء رضي الله عنهم الصالحون تولاهم الله بالصلاح وجعل رتبتهم بعد الشهداء في المرتبة الرابعة لكن الشكل دائرة كما رسمناه في الهامش فالنبوة ابتدأ بها حتى انتهى إلى الصلاح ونهاية الشكل المستدير إذا كان مجعولا ترتبط بالبداية حتى تصح الدائرة وما من نبي إلا وقد ذكر أنه صالح أو أنه دعا أن يكون من الصالحين مع كونه نبيا فدل على أن رتبة الصلاح خصوص في النبوة فقد تحصل لمن ليس بنبي ولا صديق ولا شهيد فصلاح الأنبياء هو مما يلي بدايتهم وهو عطف الصلاح عليهم فهم صالحون للنبوة فكانوا أنبياء وأعطاهم الدلالة فكانوا شهداء وأخبرهم بالغيب فكانوا صديقين فالأنبياء صلحت لجميع هذه المقامات فكانوا صالحين فجمعت الرسل جميع المقامات كما صلح الصديقون للصديقية وصلح الشهداء للشهادة وكل موجود فهو صالح لما وجد له غير أن هؤلاء الصالحين الذين أثنى الله عليهم بأنه أنعم عليهم هم المطلوبون في هذا المقام وهم المنخرطون في سلك هذا النمط فهم رابعو أربعة وأراد بالنبيين هنا الرسل أهل الشرع سواء بعثوا أو لم يبعثوا أعني بطريق الوجوب عليهم فالصالحون هم الذين لا يدخل علمهم بالله ولا إيمانهم بالله وبما جاء من عند الله خلل فإن دخله خلل بطل كونه
(٢٥)