بعد هذا الاجتماع هل حصل لموسى من جانب الحق ذلك المقام الذي كان الخضر أم لا لا علم لي بذلك فرحم الله عبدا أطلعه الحق على أن موسى قد أحاط بالعلم الذي ناله الخضر بعد ذلك وحصل له هذا المقام خبرا فألحقه في هذا الموضع من كتابي هذا ونسبه إلى نفسه لا إلي ومنهم رضي الله عنهم الأمناء قال النبي صلى الله عليه وسلم إن لله أمناء وقال في أبي عبيدة ابن الجراح إنه أمين هذه الأمة ومستخبر عن سر ليلي رددته بعمياء من ليلي بغير يقين يقولون خبرنا فأنت أمينها وما أنا إن أخبرتهم بأمين هم طائفة من الملامية لا تكون الأمناء من غيرهم وهم أكابر الملامتية وخواصهم فلا يعرف ما عندهم من أحوالهم لجريهم مع الخلق بحكم العوائد المعلومة التي يطلبها الايمان بما هو إيمان وهو الوقوف عند ما أمر الله به ونهى على جهة الفرضية فإذا كان يوم القيامة وظهرت مقاماتهم للخلق وكانوا في الدنيا مجهولين بين الناس قال النبي صلى الله عليه وسلم إن لله أمناء وكان الذي أمنوا عليه ما ذكرناه ولولا إن الخضر أمره الله أن يظهر لموسى عليه السلام بما ظهر ما ظهر له بشئ من ذلك فإنه من الأمناء ولما عرض الله الأمانة على الإنسان وقبلها كان بحكم الأصل ظلوما جهولا فإنه خوطب بحملها عرضا لا أمرا فإن حملها جبرا أعين عليها مثل هؤلاء فالأمناء حملوها جبرا لا عرضا فإنه جاءهم الكشف فلا يقدرون أن يجهلوا ما علموا ولم يريدوا أن يتميزوا عن الخلق لأنه ما قيل لهم في ذلك أظهروا شيئا منه ولا لا تظهروه فوقفوا على هذا الحد فسموا أمناء ويزيدون على سائر الطبقات أنهم لا يعرف بعضهم بعضا بما عنده فكل واحد يتخيل في صاحبه أنه من عامة المؤمنين وهذا ليس إلا لهذه الطائفة خاصة لا يكون ذلك لغيرهم ومنهم رضي الله عنهم القراء أهل الله وخاصته ولا عدد يحصرهم قال النبي صلى الله عليه وسلم أهل القرآن هم أهل الله وخاصته وأهل القرآن هم الذين حفظوه بالعمل به وحفظوا حروفه فاستظهروه حفظا وعملا كان أبو يزيد البسطامي منهم حدث أبو موسى الديبلي عنه بذلك أنه ما مات حتى استظهر القرآن فمن كان خلقه القرآن كان من أهله ومن كان من أهل القرآن كان من أهل الله لأن القرآن كلام الله وكلامه علمه وعلمه ذاته وبال هذا المقام سهل بن عبد الله التستري وهو ابن ست سنين ولهذا كان بدؤه في هذا الطريق سجود القلب وكم من ولي لله كبير الشأن طويل العمر مات وما حصل له سجود القلب ولا علم إن للقلب سجودا أصلا مع تحققه بالولاية ورسوخ قدمه فيها فإن سجود القلب إذا حصل لا يرفع أبدا رأسه من سجدته فهو ثباته على تلك القدم الواحدة التي تتفرع منها أقدام كثيرة وهو ثابت عليها فأكثر الأولياء يرون تقليب القلب من حال إلى حال ولهذا سمي قلبا وصاحب هذا المقام وإن تقلبت أحواله فمن عين واحدة هو عليها ثابت يعبر عنها بسجود القلب ولهذا لما دخل سهل بن عبد الله عبادان على الشيخ قال له أيسجد القلب قال الشيخ إلى الأبد فلزم سهل خدمته فالله تعالى يؤتي ما شاء من علمه من شاء من عباده كما قال يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده فكل أمر منه إلى خلقه سبحانه من مقامات القربة في ملك ورسول ونبي وولي ومؤمن وسعادة بمجرد توحيد ومن يبعث أمة وحده إنما هو من عناية الله به ومنته عليه فإن توفيق الله للعبد في اكتساب ما قد قضى باكتسابه منة الله بذلك على عبده واختصاص وكم من ولي قد تعرض لنيل أمر من ذلك ولم تسبق له عناية من الله في تحصيله فحيل بينه وبين حصوله مع التعمل فأهل القرآن هم أهل الله فلم يجعل لهم صفة سوى عينه سبحانه ولا مقام أشرف ممن كان عين الحق صفته على علم منه ومنهم رضي الله عنهم الأحباب ولا عدد لهم بحصرهم بل يكثرون ويقلون قال تعالى فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه فمن كونهم محبين ابتلاهم ومن كونهم محبوبين اجتباهم واصطفاهم أعني في هذه الدار وفي القيامة وأما في الجنة فليس يعاملهم الحق إلا من كونهم محبوبين خاصة ولا يتجلى لهم إلا في ذلك المقام وهذه الطائفة على قسمين قسم أحبهم ابتداء وقسم استعملهم في طاعة رسوله طاعة لله فأثمرت لهم تلك محبة الله إياهم قال تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فهذه محبة قد نتجت لم تكن ابتداء وإن كانوا أحبابا كلهم
(٢٠)