ما سوى الله من دنيا وآخرة كأبي يزيد سئل عن الزهد فقال ليس بشئ لا قدر له عندي ما كنت زاهدا سوى ثلاثة أيام أول يوم زهدت في الدنيا والثاني زهدت في الآخرة وثالث يوم زهدت في كل ما سوى الله فنوديت ما ذا تريد فقلت أريد أن لا أريد لأني أنا المراد وأنت المريد فجعل ترك كل ما سوى الله زهدا ومنهم رضي الله عنهم رجال الماء وهم قوم يعدون الله في قعور البحار والأنهار لا يعلم بهم كل أحد أخبرني أبو البدر التماشكي البغدادي وكان صدوقا ثقة عارفا بما ينقل ضابطا حافظا لما ينقل عن الشيخ أبي السعود بن الشبلي إمام وقته في الطريق قال كنت بشاطئ دجلة بغداد فخطر في نفسي هل لله عباد يعبدونه في الماء قال فما استتممت الخاطر إلا وإذا بالنهر قد انفلق عن رجل فسلم علي وقال نعم يا أبا السعود لله رجال يعبدون الله في الماء وأنا منهم أنا رجل من تكريت وقد خرجت منها لأنه بعد كذا وكذا يوما يقع فيها كذا وكذا ويذكر أمرا يحدث فيها ثم غاب في الماء فلما انقضت خمسة عشر يوما وقع ذلك الأمر على صورة ما ذكره ذلك الرجل لأبي السعود وأعلمني بالأمر ما كان ومنهم رضي الله عنهم الأفراد ولا عدد يحصرهم وهم المقربون بلسان الشرع كان منهم محمد الأواني يعرف بابن قائد لوانة من أعمال بغداد من أصحاب الإمام عبد القادر الجيلي وكان هذا ابن قائد يقول فيه عبد القادر معربد الحضرة كان يشهد له عبد القادر الحاكم في هذه الطريقة المرجوع إلى قوله في الرجال أن محمد بن قائد الأواني من المفردين وهم رجال خارجون عن دائرة القطب وخضر منهم ونظيرهم من الملائكة الأرواح المهيمة في جلال الله وهم الكروبيون معتكفون في حضرة الحق سبحانه لا يعرفون سواه ولا يشهدون سوى ما عرفوا منه ليس لهم بذواتهم علم عند نفوسهم وهم على الحقيقة ما عرفوا سواهم ولا وقفوا إلا معهم هم وكل ما سوى الله بهذه المثابة مقامهم بين الصديقية والنبوة الشرعية وهو مقام جليل جهله أكثر الناس من أهل طريقنا كأبي حامد وأمثاله لأن ذوقه عزيز هو مقام النبوة المطلقة وقد ينال اختصاصا وقد ينال بالعمل المشروع وقد ينال بتوحيد الحق والذلة له وما ينبغي من تعظيم جلال المنعم بالإيجاد والتوحيد كل ذلك من جهة العلم وله كشف خاص لا يناله سواهم كالخضر فإنه كما قلنا من الأفراد ومحمد صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يرسل وينبأ من الأفراد الذين نالوا الأمر بتوحيد الحق وتعظيم جلاله والانقطاع إليه وذلك أنه يحصل في نفوسهم أعني في نفوس من هذا طريقهم إن الله كما أنعم عليه بالإيجاد وأسباب الخير هو قادر على أن يبقى له وعليه نعمة البقاء في الخير الدائم والسعادة حيث أراد وإن لم يعلم أن ثم آخرة ولا أن الدنيا لها نهاية أم لا ولا إيمان عنده بشئ من هذا لأنه ما كشف له عن ذلك فإذا أطلعه الحق على الأمور حينئذ التحق بالمؤمنين بما هو الأمر عليه مما لا يدرك بالنظر الفكري فلو كان في زمان جواز نبوة الشرائع لكان صاحب هذا المقام منهم كالخضر في زمانه وعيسى وإلياس وإدريس وأما اليوم فليس إلا المقام الذي ذكرناه والرسالة ونبوة الشرائع قد انقطعت ولو كانت الأنبياء والرسل في قيد الحياة في هذا الزمان لكانوا بأجمعهم داخلين تحت حكم الشرع المحمدي وأما الرسالة ونبوة الشرائع العامة أعني المتعدية إلى الأمم والخاصة بكل نبي فاختصاص إلهي في الأنبياء والرسل لا ينال بالاكتساب ولا بالتعمل فخطاب الحق قد ينال بالتعمل والذي يخاطب به إن كان شرعا يبلغه أو يخصه ذلك هو الذي نقول فيه لا ينال بالتعمل ولا بالكسب وهو الاختصاص الإلهي المعلوم وكل شرع ينال به عامله هذه المرتبة فإن نبي ذلك الشرع من أهل هذا المقام وهو زيادة على شريعة نبوته له فضلا من الله ونعمة وهو لمحمد صلى الله عليه وسلم بالقطع وكل شرع لا ينال العامل به هذا المقام فإن نبي ذلك الشرع لم يحصل له هذا المقام الذي حصل لغيره من أنبياء الشرائع قال تعالى ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وقال جل جلاله تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض في وجوه منها هذا قال الخضر لموسى في هذا المقام وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا فإن موسى في ذلك الوقت لم يكن له هذا المقام الذي نفاه عنه العدل بقوله وتعديل الله إياه بما شهد له به من العلم وما رد عليه موسى في ذلك ولا أنكر عليه بل قال له ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا فإنه قال له قبل ذلك هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا قال له الخضر إنك لن تستطيع معي صبرا ثم أنصفه في العلم وقال له يا موسى أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه أنا فلم يكن للخضر نبوة التشريع التي للأنبياء المرسلين ولا أدري
(١٩)