يشهدون من أعيانهم سوى وجودهم فاعلم ذلك والله المرشد منور البصائر ومنهم رضي الله عنهم الصوفية ولا عدد لهم يحصرهم بل يكثرون ويقلون وهم أهل مكارم الأخلاق يقال من زاد عليك في الأخلاق زاد عليك في التصوف مقامهم الاجتماع على قلب واحد أسقطوا الياءات الثلاثة فلا يقولون لي ولا عندي ولا متاعي أي لا يضيفون إلى أنفسهم شيئا أي لا ملك لهم دون خلق الله فهم فيما في أيديهم على السواء مع جميع ما سوى الله مع تقرير ما بأيدي الخلق للخلق لا يطلبونهم بهذا المقام وهذه الطبقة هي التي يظهر عليهم خرق العوائد عن اختيار منهم ليقيموا الدلالة على التصديق بالدين وصحته في مواضع الضرورة وقد عاينا مثل هذا من هذه الطائفة في مناظرة فيلسوف ومنهم من يفعل ذلك لكونه صار عادة لهم كسائر الأمور المعتادة عند أهلها فما هي في حقهم خرق عادة وهي في المعتاد العام خرق عادة فيمشون على الماء وفي الهواء كما نمشي نحن وكل دابة على الأرض لا يحتاج في ذلك في العموم إلى نية وحضور إلا الملامية والفقراء فإنهم لا يمشون ولا يخطو أحد منهم خطوة ولا يجلس إلا بنية وحضور لأنه لا يدري من أين يكون أخذ الله لعباده وقد كان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقول في دعائه أعوذ بالله أن اغتال من تحتي وإن كانوا على أفعال تقتضي لهم الأمان كما هي أفعال الأنبياء من الطاعات لله والحضور مع الله ولكن لا يأمنون أن يصيب الله عامة عباده بشئ فيعم الصالح والطالح لأنها دار بلاء ويحشر كل شخص على نيته ومقامه وقد أخبر الله بقتل الأمم أنبياءها ورسلها وأهل القسط من الناس وما عصمهم الله من بلاء الدنيا فالصوفية هم الذين حازوا مكارم الأخلاق ثم إنهم رضي الله عنهم علموا إن الأمر يقتضي أن لا يقدر أحد على إن يرضي عباد الله بخلق وإنه مهما أرضى زيدا ربما أسخط عمرا فلما رأوا أن حصول مقام عموم مكارم الأخلاق مع الجميع محال نظروا من أولى أن يعامل بمكارم الأخلاق ولا يلتفت إلى من يسخطه ذلك لم يجدوا إلا الله وأحباءه من الملائكة والبشر المطهر من الرسل والأنبياء وأكابر الأولياء من الثقلين فالتزموا مكارم الأخلاق معهم ثم أرسلوها عامة في سائر الحيوانات والنباتات وما عدا أشرار الثقلين والذي يقدرون عليه من مكارم الأخلاق مما أبيح لهم أن يصرفوه مع أشرار الثقلين فعلوه وبادروا إليه وهو على الحقيقة ذلك الخلق مع الله إلا في إقامة الحدود إذا كانوا حكاما وأداء الشهادات إذا تفرضت عليهم فاعلم ذلك ومنهم رضي الله عنهم العباد وهم أهل الفرائض خاصة قال تعالى مثنيا عليهم وكانوا لنا عابدين ولم يكونوا يؤدون سوى الفرائض ومن هؤلاء المنقطعون بالجبال والشعاب والسواحل وبطون الأودية ويسمون السياح ومنهم من يلازم بيته وصلاة الجماعات ويشتغل بنفسه ومنهم صاحب سبب ومنهم تارك السبب وهم صلحاء الظاهر والباطن قد عصموا من الغل والحسد والحرص والشرة المذموم وصرفوا كل هذه الأوصاف إلى الجهات المحمودة ولا رائحة عندهم من المعارف الإلهية والأسرار ومطالعة الملكوت والفهم عن الله في آياته حين تتلى غير أن الثواب لهم مشهود والقيامة وأهوالها والجنة والنار مشهودتان دموعهم في محاريبهم تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا وتضرعا وخيفة إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما وإذا مروا باللغو مروا كراما يبيتون لربهم سجدا وقياما شغلهم هول المعاد عن الرقاد ضمروا بطونهم بالصيام للسباق في حلبة النجاة إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ليسوا من الإثم والباطل في شئ عمال وأي عمال عاملوا الحق بالتعظيم والإجلال سمعت بعضهم رضي الله عنهم وعنه وهو أبو عبد الله الطبخي وإلى وجدة يتأوه وينشد ما قاله عمر بن عبد العزيز حتى متى لا ترعوي * وإلى متى وإلى متى ما بعد أن سميت كهلا * واستلبت اسم الفتى لا ترعوي لنصيحة * قالي متى وإلى متى وكان منهم خليفة من بنى العباس هرب من الخلافة من العراق وأقام بقرطبة من بلاد الأندلس إلى أن درج ودفن بباب عباس منها يقال له أبو وهب الفاضل خرج فضائله شيخنا أبو القاسم خلف بن بشكوال رحمه الله فذكر فيها عنه إنه كان كثيرا ما ينشد لنفسه
(١٧)