الطريقة لهم من العلوم على عدد ما لجبريل من القوي المعبر عنها بالأجنحة التي بها يصعد وينزل لا يتجاوز علم هؤلاء الخمسة مقام جبريل وهو الممد لهم من الغيب ومعه يقفون يوم القيامة في الحشر ومنهم رضي الله عنهم ثلاثة على قلب ميكائيل عليه السلام لهم الخير المحض والرحمة والحنان والعطف والغالب على هؤلاء الثلاثة البسط والتبسم ولين الجانب والشفقة المفرطة ومشاهدة ما يوجب الشفقة ولا يزيدون ولا ينقصون في كل زمان ولهم من العلوم على قدر ما لميكائيل من القوي ومنهم رضي الله عنهم واحد على قلب إسرافيل عليه السلام في كل زمان وله الأمر ونقيضه جامع للطرفين ورد بذلك خبر مروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم له علم إسرافيل وكان أبو يزيد البسطامي منهم ممن كان على قلب إسرافيل وله من الأنبياء عيسى عليه السلام فمن كان على قلب عيسى عليه السلام فهو على قلب إسرافيل ومن كان على قلب إسرافيل قد لا يكون على قلب عيسى وكان بعض شيوخنا على قلب عيسى وكان من الأكابر (وصل) وأما رجال عالم الأنفاس رضي الله عنهم فإنا أذكرهم وهم على قلب داود عليه السلام ولا يزيدون ولا ينقصون في كل زمان وإنما نسبناهم إلى قلب داود وقد كانوا موجودين قبل ذلك بهذه الصفة فالمراد بذلك أنه ما تفرق فيهم من الأحوال والعلوم والمراتب اجتمع في داود ولقيت هؤلاء العالم كلهم ولازمتهم وانتفعت بهم وهم على مراتب لا يتعدونها بعدد مخصوص لا يزيد ولا ينقص وأنا ذاكرهم إن شاء الله تعالى فمنهم رضي الله عنهم رجال الغيب وهم عشرة لا يزيدون ولا ينقصون هم أهل خشوع فلا يتكلمون إلا همسا لغلبة تجلى الرحمن عليهم دائما في أحوالهم قال تعالى وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا وهؤلاء هم المستورون الذين لا يعرفون خبأهم الحق في أرضه وسمائه فلا يناجون سواه ولا يشهدون غيره يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما دأبهم الحياء إذا سمعوا أحدا يرفع صوته في كلامه ترعد فرائصهم ويتعجبون وذلك أنهم لغلبة الحال عليهم يتخيلون أن التجلي الذي أورث عندهم الخشوع والحياء يراه كل أحد ورأوا أن الله قد أمر عباده أن يغضوا أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون وإذا كنا نهينا وتحبط أعمالنا برفع أصواتنا على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم وهو المبلغ عن الله فغض أصواتنا عند ما نسمع تلاوة القرآن آكد والله يقول وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون وهذا هو مقام رجال الغيب وحالهم الذي ذكرناه فيمتاز الحديث النبوي من القرآن بهذا القدر ويمتاز كلامنا من الحديث النبوي بهذا القدر وأما أهل الورع إذا اتفقت بينهم مناظرة في مسألة دينية فيذكر أحد الخصمين حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خفض الخصم صوته عند سرد الحديث هذا هو الأدب عندهم إذا كانوا أهل حضور مع الله وطلبوا العلم لوجه الله فأما علماء زماننا اليوم فما عندهم خير ولا حياء لا من الله ولا من رسول الله إذا سمعوا الآية أو الحديث النبوي من الخصم لم يحسنوا الإصغاء إليه ولا أنصتوا وداخلوا الخصم في تلاوته أو حديثه وذلك لجهلهم وقلة ورعهم عصمنا الله من أفعالهم واعلم أن رجال الغيب في اصطلاح أهل الله يطلقونه ويريدون به هؤلاء الذين ذكرناهم وهي هذه الطبقة وقد يطلقونه ويريدون به من يحتجب عن الأبصار من الإنس وقد يطلقونه أيضا ويريدون به رجالا من الجن من صالحي مؤمنيهم وقد يطلقونه على القوم الذين لا يأخذون شيئا من العلوم والرزق المحسوس من الحس ولكن يأخذونه من الغيب ومنهم رضي الله عنهم ثمانية عشر نفسا أيضا هم الظاهرون بأمر الله عن أمر الله لا يزيدون ولا ينقصون في كل زمان ظهورهم بالله قائمون بحقوق الله مثبتون الأسباب خرق العوائد عندهم عادة آيتهم قل الله ثم ذرهم وأيضا إني دعوتهم جهارا كان منهم شيخنا أبو مدين رحمه الله كان يقول لأصحابه أظهروا للناس ما عندكم من الموافقة كما يظهر الناس بالمخالفة وأظهروا بما أعطاكم الله من نعمه الظاهرة يعني خرق العوائد والباطنة يعني المعارف فإن الله يقول وأما بنعمة ربك فحدث وقال عليه السلام التحدث بالنعم شكر وكان يقول بلسان أهل هذا المقام أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون هم على مدارج الأنبياء والرسل لا يعرفون إلا الله ظاهرا وباطنا وهذه الطبقة اختصت باسم الظهور لكونهم ظهروا في عالم الشهادة ومن ظهر في عالم
(١١)