وذلك لأن الأدلة المجوزة نص في الجواز، لا تتحمل معنى آخر بداهة صراحة قوله عليه السلام: " لا بأس " في خبر جميل (1) المتقدم في الجواز وإن كان بالنسبة إلى نفي الكراهة ظاهر، فإن نفي البأس ظاهر في نفيه بجميع مراتبه التي منها الكراهة إلا أن ظهوره في نفي الكراهة لا يصادم صراحته في الجواز، وهذا بخلاف الأدلة المانعة، إذ غايتها ظهورها في ذلك، بداهة أن كلمة " لا " أو " لا تصلي " ليس صريحا في المنع بل أقصاه ظهورها فيه، والظهور لا يصادم النص، هذا مضافا إلى أن في نفس أدلة المنع ما يظهر منه الكراهة كقوله عليه السلام في صحيح الحلبي (2) " لا ينبغي ". والحاصل أن قوله عليه السلام في أخبار المنع " لا " أو " لا تصلي " إنما يدل على المنع ظهورا، حيث إن النهي والنفي ظاهر في الحرمة النفسية في غير باب الأجزاء والشرائط والموانع في المركبات، فإنه يكون ظاهرا في المانعية وأما قوله عليه السلام " لا بأس " كما في خبر جميل، وقوله عليه السلام مضت صلاتها ولم تفسد على أحد " كما في خبر عيسى (3)، فلا يكون إلا نصا في الجواز، فلا محيص حينئذ من رفع اليد عن ظاهر النفي والنهي وحمله على الكراهة، وإلا لزم طرح أدلة الجواز بالمرة. هذا مع ما عرفت من أن في نفس أخبار المنع ما يدل على الكراهة، فيكون شاهد جمع، مضافا إلى ما في الأخبار المانعة من المناقشة سندا ودلالة كما لا يخفى على المتأمل، ومضافا إلى اختلاف الروايات المحددة لمقدار البعد بين الرجل والمرأة تارة بالشبر (4)، وأخرى بالذراع (5)، وثالثة بالرحل (6)، ورابعة بكون موضع
(٤٠٤)