عساكر في تاريخ دمشق قال قال العتابي أشعر الناس أبو نواس حيث يقول:
ان السحاب لتستحيي إذا نظرت * إلى نداك فقاسته بما فيها حتى تهم باقلاع فيمنعها * خوف العقوبة من عصيان منشيها وروى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد بسنده عمن سمع كلثوم بن عمرو العتابي يقول لرجل وتناظرا في شعر أبي نواس: لو أدرك الخبيث الجاهلية ما فضل عليه أحد انتهى. وقال جامع ديوانه قال أبو هفان لما تنسك العتابي نهى ان ينشد شعر أبي نواس فأظله شهر رمضان فدخل اليه رجل معه رقعة فيها:
شهر الصيام غدا مواجهنا * فليعقبن رعية النسك أيامه كوني سنين ولا * تفني فلست بسائم منك فكتب البيتين وقال وددت انهما لي بجميع ما قلته من طارفي وتليدي فقال الرجل انهما لأبي نواس فمزق الرقعة ورمى بها. والجاحظ ومقامه في البلاغة والأدب لا يدانى قرنه ببشار وشهد له كما مر بأنه ما رأى اعلم باللغة ولا أفصح لهجة مع حلاوة ومجانبة للاستكراه منه وبانه لا يعرف ارفع ولا أحسن من شعره وبان شعره يصل إلى القلب بغير إذن. في تاريخ بغداد قال ميمون بن هارون قال لي إبراهيم بن المنذر قال الجاحظ لا اعرف من كلام الشعر كلاما هو ارفع ولا أحسن من كلام أبي نواس: اية نار قدح القادح وذكر الأبيات الآتية في المواعظ والحكم. وفي معاهد التنصيص قال الجاحظ لا اعرف بعد بشار مولدا أشعر من أبي نواس انتهى وقال جامع ديوان أبي نواس ان للجاحظ فصلا من كتاب ذكر فيه بشارا وأبا نواس فقال واما بشار وأبو نواس فمعناهما واحد والعدة اثنان بشار حل من الطبع بحيث لم يتكلف قط قولا ولا تعب من عمل شعر وأبو نواس حل من الطبع بحيث يصل شعره إلى القلب بغير إذن انتهى. وممن جعله أشعر الناس أبو العتاهية ومنزلته في الشعر لا تنكر روى ابن عساكر في تاريخ دمشق انه قيل لأبي العتاهية من أشعر الناس فقال الشاب العاهر أبو نواس حيث يقول:
أزور محمدا فإذا التقينا * تعاتبت الضمائر في الصدور فارجع لم ألمه ولم يلمني * وقد قبل الضمير من الضمير قال الراوي ثم لقيت أبا نواس فقلت له من أشعر الناس فقال الشيخ الطاهر أبو العتاهية حيث يقول:
الناس في غفلاتهم * ورحى المنية تطحن فقلت فمن أين اخذ هذا جعلت فداءك فقال من قول الله تعالى اقترب للناس حسابهم فهم في غفلة انتهى وحسبك ان يود أبو العتاهية ان يكون له بيت من شعر أبي نواس بجميع شعره وأن يكون له ثلاثة ابيات بعشرين ألف بيت قالها ففي تاريخ بغداد بسنده عن أبي العتاهية انه عاتب أبا نواس على مجونه فأنشأ أبو نواس يقول:
لن ترجع الأنفس عن غيها * ما لم يكن منها لها زاجر قال أبو العتاهية فوددت اني قلت هذا البيت بكل شئ قلته.
وبسنده عن أبي العتاهية أنه قال قلت عشرين ألف بيت في الزهد وودت ان لي مكانها الأبيات الثلاثة التي قالها أبو نواس:
يا نواسي توفر * وتعز وتصبر ان يكن ساءك دهر * ان ما سرك أكثر يا كبير الذنب عفو * الله من ذنبك أكبر قال أبو مسلم كانت هذه الأبيات مكتوبة على قبر أبي نواس وفي تاريخ بغداد بسنده عن مسلمة بن مهدي: لقيت أبا العتاهية فقلت من أشعر الناس فقال جاهليا أم اسلاميا أم مولدا فقلت كل قال الذي يقول في المديح:
إذا نحن أثنينا عليك بصالح * فأنت كما نثني وفوق الذي نثني وان جرت الألفاظ منا بمدحة * لغيرك انسانا فأنت الذي نعني والذي يقول في الزهد:
وما الناس الا هالك وابن هالك * وذ نسب في الهالكين عريق إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت * له عن عدو في ثياب صديق قال مسلمة ولقيت العتابي فسألته عن ذلك فرد علي مثل ذلك وأورده ابن منظور في أخبار أبي نواس نحوه الا أنه قال بدل مسلمة بن مهدي مسلم بن بهرام وزاد فقلت هذا كله لأبي نواس فقال هو هو وقال ابن منظور أيضا: كان أبو العتاهية يقول سبقني أبو نواس إلى ثلاثة ابيات وددت اني سبقته إليها بكل ما قلته فإنه أشعر الناس فيها منها قوله:
يا كبير الذنب عفو * الله من ذنبك أكبر وقوله:
من لم يكن لله متهما * لم يمس محتاجا إلى أحد وقوله:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت * له عن عدو في ثياب صديق ثم قال: قلت في الزهد ستة عشر ألف بيت وددت ان أبا نواس له ثلثها بهذه الأبيات انتهى. وقال ابن منظور أيضا قال أبو مخلد الطائي قال لي أبو العتاهية ان أبا نواس لا يخالفك فاسأله ان لا يقول في الزهد شيئا فقد تركت له المديح والهجاء والخمر والرقيق وما فيه الشعراء وللزهد شوقي فقلت لأبي نواس ان أبا إسحاق من قد عرفت في جلالته وتقدمه وقد أحب ان لا تقول في الزهد شيئا فوجم أبو نواس عند ذلك وقال يا أبا مخلد قطعت علي ما كنت أحب ان أبلغه من هذا ولقد كنت على عزم ان أقول فيه ما يتوب به كل خليع وقد فعلت ولا أخالف أبا إسحاق فيما رغب اليه انتهى ولولا معرفة أبي العتاهية بأن قول أبي نواس في الزهد يغطي على قوله لما رغب اليه ان لا يقول فيه وقال الرشيد انه لا يعرف لمحدث أهجى من قول أبي نواس:
وما روحتنا لتذب عنا * ولكن خفت مرزأة الذباب شرابك في السحاب إذا عطشنا * وخبزك عند منقطع التراب وكيف تنال مكرمة ومجدا * وخبزك محرز عند الغياب وابطك قابض الأرواح يرمي * بسهم الموت من تحت الثياب وشهد له المأمون ومكانته في العلم والأدب معروفة تارة بأنه أشعر الشعراء الحاضرين في مجلسه ولا بد ان يكونوا أشعر أهل عصرهم