قد يقال باعتبار الطمأنينة بالوفاء أو بعدم الظن بالكذب حذرا من الضرر والخطر عليه، وللشك في شمول أدلة الوجوب له إن لم تكن ظاهرة في خلافه، بل لعل ذلك كذلك وإن وجب على الباذل، بل هو في الحقيقة خارج عما نحن فيه، ضرورة أن محل البحث الوجوب من حيث البذل من دون نظر إلى الموانع الخارجية التي قد تنتفي الاستطاعة معها، كما هو واضح، ولا ريب في أن المتجه ما قلنا عملا باطلاق النص والفتوى ومعاقد الاجماعات، مضافا إلى تحقق الاستطاعة بذلك.
كما أن المتجه لذلك كله أيضا ما صرح به غير واحد من الأصحاب من عدم الفرق في الوجوب بين بذل عين الزاد والراحلة وبين بذل عين أثمانهما، خلافا لثاني الشهيدين فلم يوجبه في الثاني، ولعله لأن القبول لها شرط لحصول الاستطاعة التي هي شرط للوجوب، فلا يجب تحصيله، وفيه أنه لا فرق في تحقق الاستطاعة عرفا ببذل كل منهما، فيجب القبول حينئذ وغيره من المقدمات، ضرورة صيرورة الوجوب حينئذ مطلقا، فيجب حينئذ جميع مقدماته من شراء الآلات ونحوها ضرورة عدم كون ذلك من شرائط صدق الاستطاعة، بل هي مما يتوقف عليها فعل الحج من المستطيع، فصدق الاستطاعة حينئذ حاصل بدونها، وكفي فيه القدرة على شرائها مثلا، كما هو واضح بأدنى تأمل، كل ذلك مضافا إلى ما في النصوص السابقة مما هو كالصريح في التعميم المزبور، بل ربما ادعي معروفية بذل الأثمان في البذل دون عين الزاد والراحلة.
وكذا لا فرق في الوجوب بين بذل الجميع للفاقد وبين بذل البعض لمن كان عنده ما يكمله، ضرورة أولويته من الأول في الحكم.
ولا يمنع الدين الوجوب بالبذل وإن منعه في غيره، بل إن لم يقم إجماع على اعتبار بذل مؤونة العيال في الوجوب أمكن منعه في المعسر عنها حضرا،