لمعارضة ما عرفت، فتأمل، كالمحكي عن ابن إدريس من الاستدلال بأن التتابع أن يصوم الشهرين، ولقد أجاد في محكي المنتهى في رده بقوله: نحن نمنع ذلك لما ثبت في حديث الحلبي عن الصادق (عليه السلام) " إن حد التتابع " إلى آخره، وحينئذ لا يتوجه الخطاب إلى المكلف، وقول الصادق (عليه السلام) أولى بالاتباع من قول ابن إدريس، وهو كما قال إلا أن الاحتياط مع ذلك لا ينبغي تركه، لعدم ثبوت ذلك عن الصادق (عليه السلام) بطريق التواتر، وعدم القطع بكون المراد منه ذلك، نعم هو حجة شرعية للفتوى التي لا تنافي أولوية الاحتياط كما هو واضح، هذا.
وظاهر الفتاوى بل ومعاقد الاجماعات عدم الفرق في الحكم المزبور بين النذر وغيره، لكنه لا يخلو من إشكال باعتبار انسياق غيره من النصوص وشدة مخالفة الحكم فيه للضوابط، خصوصا مع تصريح الناذر بالتتابع ستين يوما بل ومع إطلاقه بناء على ظهوره في ذلك، ضرورة عدم الحقيقة الشرعية لتتابع الشهرين، وكشف النصوص للمراد بالخطابات الشرعية لا تقتضي التعدي إلى الخطابات العرفية التي من المعلوم كون المرجع فيها العرف، ولعله لذا قصر بعض مشايخنا الحكم على غير النذر ونحوه، وهو جيد، اللهم إلا أن يكون الناذر علق مراده بالمراد الشرعي مما وقع فيه ذلك، أو أن الشارع قد كشف كون المراد واقعا بهذا الخطاب ذلك وإن زعم صاحبه خلافه، والحكم الشرعي يتبع الواقع الذي هو المقصود بالخطاب، وتخيل ذي الخطاب كون الواقع غير ذلك لا مدخلية له بعد أن لم يكن مقصودا له بالخطاب كما حررناه في محله، وحينئذ فيتجه إطلاق الأصحاب، نعم يخرج منه ما لو صرح الناذر بتتابع الأيام، ولعله غير مندرج في كلامهم، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع، والله أعلم.