الغير ليس إلا بذل المال لحجه، فهو دين مالي محض بلا شبهة، فإذا لم يجب إلا من الثلث فحج نفسه أولى، قلت: قد يقال بعد الاتفاق ظاهرا على القضاء عنه أن الخطاب بالحج من الخطابات الدينية على معنى ثبوته في الذمة على نحو ثبوت الدين فيها لا أنه مثل خطاب السيد لعبده يراد منه شغل الذمة بايجاده في الخارج وإن لم يثبت في الذمة ثبوت دين، ومن هنا وجب في حج الاسلام إخراج قيمة العمل من أصل التركة، وبهذا المعنى كان واجبا ماليا لا من حيث احتياجه إلى المقدمات المالية التي لم تخرج من أصل التركة ما لم يوص بها على الأصح، بل لعل خطاب النذر الذي هو نحو الخطاب بالإجارة أولى من الخطاب الأصلي بذلك، على أن متعلق النذر الحج على حسب مشروعيته، وقد عرفت أنها على الوجه المزبور، بل قوله (عليه السلام): " إنما هو مثل دين عليه " رمز إلى ما ذكرنا، بل إيجاب المال في نذر الاحجاج في الصحيحين السابقين من ذلك أيضا، وكذا الصحيح (1) عن مسمع بن عبد الملك " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كانت لي جارية حبلى فنذرت لله تعالى إن هي ولدت غلاما أن أحجه أو أحج عنه فقال: إن رجلا نذر لله في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج عنه فمات الأب وأدرك الغلام بعد فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسأله عن ذلك فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يحج عنه مما ترك أبوه ".
وبذلك اتجه ما سمعته من الأصحاب من وجوب أصل القضاء وكونه من أصل المال، لأنه واجب ديني بالمعنى الذي عرفت، ومن هنا حمل في محكي المختلف الصحيحين السابقين على النذر في مرض الموت، لمخالفتهما للضوابط، ضرورة عدم الوجه لخروجه من الثلث بعد كونه واجبا ماليا، بل ومع فرض كونه واجبا