الجامع بين الالية والاستقلالية مما لا محصل لها، إذ لا يعقل ان يكون المعنى لا مستقل ولا غير مستقل، فإنه يكون من ارتفاع النقيضين، فتأمل جيدا.
واما الثاني: فهو أوضح فسادا لما فيه أولا: من أن ذلك مبنى على أن يكون للألفاظ واضع خاص حتى يتأتى منه اشتراط ذلك، وقد تقدم امتناع ذلك في أول المبحث، مع أنه لو فرض ثبوت واضع خاص فمن المقطوع انه لم يشترط ذلك في مقام الوضع، لان ذلك خارج عن وظيفة الواضع، إذ وظيفة الواضع انما هو تعيين مداليل الألفاظ، لا تعيين تكليف على المستعملين، لأنه لا ربط للاستعمال بالواضع.
وثانيا: هب ان الواضع اشترط ذلك، وفرض ان هذا الشرط مما يلزم العمل به، فما الذي يلزم من مخالفة الشرط باستعمال الحروف مقام الأسماء، إذ غاية ما يلزم هو مخالفة الواضع، وهذا لا يوجب كون الاستعمال غلطا، إذ لا يقصر عن المجاز، بل ينبغي ان يكون هذا أولى من المجاز، لان المجاز استعمال اللفظ في غير ما وضع له، وهذا استعمال في ما وضع له، غايته انه على غير جهة ما وضع له، وهذا لا يوجب استهجان الاستعمال، مع أنه من الواضح استهجان استعمال كلمة (من) في مقام كلمة (الابتداء) و (إلى) في مقام (الانتهاء) و (في) في مقام (الظرفية).
الا ترى: انه لو أراد المتكلم ان يتكلم بألفاظ مفردة بلا نسبة، يصح ان يتكلم بلفظة الابتداء، والانتهاء، والظرف، والنداء، والخطاب، وغير ذلك من الألفاظ المفردة التي يكون لكل منها معنى متحصل في نفسه، بحيث يسبق إلى ذهن السامع لتلك الألفاظ معانيها، ولا يصح ان يق للمتكلم: انه ليس لمفردات كلامه معنى متحصل، وان صح ان يق له: انه ليس لكلامه نسبة يصح السكوت عليها. و هذا بخلاف التكلم بلفظة (من) و (إلى) و (في) و (يا) و (كاف) وغير ذلك من الحروف، فأنه لا يسبق إلى ذهن السامع من هذه الألفاظ معنى أصلا، ويصح ان يق للمتكلم بذلك: انه ليس لمفردات كلامه معنى، بل يعد هذا الوجه من التكلم مستهجنا ومستبشعا، فهذا أقوى شاهد على مباينة الحروف للأسماء، وعدم اتحاد معانيهما، بداهة ان الاتحاد في المعنى يوجب صحة استعمال كل منهما في مقام الاخر، و