موطنها العقل بما ان موطنها العقل، لامتناع انطباق تلك المفاهيم على الحقايق الخارجية، بل هي من المعقولات الثانوية الممتنعة الصدق على الخارجيات، فلا يعقل ان يتعلق بها التكليف. بل تلك المفاهيم انما تكون كليات عقلية ليس موطنها الا العقل، وهي باعتبار ذلك الموطن متباينة دائما، ليس بينها نسبة التساوي، أو العموم من وجه، أو العموم المطلق، بل متعلقات التكاليف انما هي المفاهيم والعناوين الملحوظة مرآة لحقايقها الخارجية القابلة الصدق والانطباق على الخارجيات، التي تكون بهذا الاعتبار كليات طبيعية، وبذلك يصح ملاحظة النسبة بينها، فتارة:
يكونان متلازمين في الصدق فيكون النسبة هي التساوي. وأخرى: لا يكونان كذلك ، فاما ان يتصادقا في مورد أصلا فالنسبة تكون هي التباين، وأخرى يتصادقان في مورد ويفترقان في مورد آخر فالنسبة تكون هي العموم من وجه ان كان الافتراق من الجانبين، والا فالعموم المطلق، على ما سيأتي من ضابطة النسب الأربع. و ملاحظة النسبة كذلك لا يكون الا في الكليات الطبيعية الملحوظة مرآة لما في الخارج، لا الكليات العقلية.
ثم إن المفاهيم والعناوين الملحوظة مرآة لما تنطبق عليه من الخارجيات، تارة: تكون متأصلة في عالم العين سواء كانت من مقولة الجواهر أو الاعراض، و أخرى: تكون متأصلة في عالم الاعتبار، بحيث يكون وجودها عين اعتبارها ممن بيده الاعتبار. وللامر الاعتباري نحو وجود متأصل في عالمه نحو وجود المتأصل في عالم العين، وان كان وجود الامر الاعتباري أضعف من وجود الامر العيني، الا ان ذلك لا يلحقه بالانتزاعيات التي ليس لها وجود الا بوجود منشأ انتزاعها، وتكون من خارج المحمول، بل الانتزاعي امر والاعتباري امر آخر، وليس الاعتباري عين الانتزاعي، وان كان ربما يطلق أحدهما على الآخر، الا ان ذلك لا يخلو عن مسامحة.
فالامر الاعتباري مقابل للامر الانتزاعي، حيث إن للأول نحو وجود في وعاء الاعتبار وليس للثاني وجود، بل الموجود هو منشأ الانتزاع، سواء كان المنشأ من الأمور المتأصلة في عالم العين، أو كان من الأمور المتأصلة في عالم الاعتبار، فان الامر الاعتباري يصلح ان يكون منشأ لانتزاع امر، كصلاحية الامر العيني لذلك.