ومن الغريب (1) ما استدل به على مدعاه بما حاصله: ان العقل لا يأبى ان يقول الآمر الحكيم: أريد الحج وأريد المسير الذي يتوصل به إلى الحج، دون ما لا يتوصل به إليه، والضرورة قاضية بجواز تصريح الآمر بمثل ذلك. وذلك لان الكلام في إرادة المقدمة التي تترشح من إرادة ذيها، ومعلوم: ان مناط إرادة المقدمة انما هو توقف ذيها عليها، بمعنى انها لولاها لما أمكن التوصل إلى ذي المقدمة، و استلزام عدمها عدم ذيها، وليس مناط وجوب المقدمة استلزام وجودها وجود ذيها، فان الشأن في غالب المقدمات ليس كذلك، فان الملازمة بين الوجودين انما يكون في العلة التامة بحيث لا يمكن التخلف بينها وبين معلولها، فلو كان مناط وجوب المقدمة هو استلزام وجودها لوجود ذيها يلزم القول بوجوب خصوص العلة التامة، و صاحب الفصول لا يقول بذلك. فيظهر من ذلك: انه ليس ملاك إرادة المقدمة الا استلزام عدمها عدم ذيها، وهذا الملاك مطرد في جميع المقدمات موصلها وغير موصلها.
فتحصل: ان الامر المقدمي لا يدعو الا إلى ما يلزم من عدمه عدم الواجب، فكل ما يعتبر زائدا على ذلك يكون خارجا عما يقتضيه الامر المقدمي.
وبذلك يظهر ما في استدلاله بجواز تصريح الآمر الحكيم بإرادة خصوص السير الموصل إلى الواجب، فان التصريح بذلك انما يجوز إذا كان السير واجبا نفسيا مشروطا بشرط متأخر، لما عرفت من أن اعتبار التوصل مما لا يقتضيه الامر المقدمي، فاعتباره يكون أمرا زايدا، ولا محالة يكون واجبا نفسيا، فمجرد جواز تصريح الآمر بذلك لا يوجب ان يكون التوصل من مقتضيات الامر المقدمي، بل يكون من الواجبات النفسية الخارجة عن محل الكلام، فالذي يهم صاحب الفصول، هو اثبات