بمجيئ زيد في الغد يوجب ارادته للاستقبال، ولا اثر لوجودهما العيني في ذلك، فان من لم يعلم بقدوم زيد في الغد لا يتحقق منه إرادة الاستقبال وان فرض قدومه في الغد، كما أن علمه بقدومه يوجب إرادة الاستقبال وان فرض عدم قدومه، فالمؤثر هو الوجود العلمي، وكذا الحال في علل التشريع، فان علل التشريع هي العلل الفائتة ولا فرق بينهما، الا انهم اصطلحوا في التعبير عنها في الشرعيات بعلل التشريع وحكم التشريع، وفى التكوينيات بالعلل الفائتة، وعلى كل حال علم الآمر بترتب الحكمة موجب للامر وان كانت هي بوجودها العيني متأخرة عن الامر، فما كان من العلل الفائتة والعلل التشريعية لا يندرج في الشرط المتأخر المبحوث عنه في المقام، وذلك واضح.
(الامر الثالث) ليس المراد من الشرط المتأخر المبحوث عنه في المقام باب الإضافات والعناوين الانتزاعية، كالتقدم، والتأخر، والسبق، واللحوق، والتعقب، وغير ذلك من الإضافات والأمور الانتزاعية، فلو كان عنوان التقدم والتعقب شرطا لوضع أو تكليف لا يكون ذلك من الشرط المتأخر، ولا يلزم الخلف وتأثير المعدوم في الموجود و تقدم المعلول على علته، وذلك لان عنوان التقدم ينتزع من ذات المتقدم عند تأخر شئ عنه، ولا يتوقف انتزاع عنوان التقدم عن شئ على وجود المتأخر في موطن الانتزاع، بل في بعض المقامات مما لا يمكن ذلك، كتقدم بعض اجزاء الزمان على بعض، فان عنوان التقدم ينتزع لليوم الحاضر لتحقق الغد في موطنه، فيقال: هذا اليوم متقدم على غد، ولا يتوقف انتزاع عنوان التقدم لليوم الحاضر على مجئ الغد، بل لا يصح لتصرم اليوم الحاضر عند مجئ الغد، ولا معنى لاتصافه بالتقدم حال تصرمه وانعدامه. هذا حال الزمان، وقس على ذلك حال الزمانيات الطولية في الزمان، حيث يكون أحد الزمانيين مقدما على الاخر في موطن وجوده لمكان وجود المتأخر في موطنه، فيقال زيد مقدم على عمرو ولو لم يكن عمرو موجودا في الحال، بل يكفي وجوده فيما بعد في انتزاع عنوان التقدم لزيد في موطن وجوده.