وثالثا:
وهو العمدة، ان الحكومة التي نقول بها في الطرق والامارات والأصول غير الحكومة التي توجب التوسعة والتضييق، فان الحكومة التي توجب التوسعة و التضييق انما هي بالنسبة إلى الأدلة الأولية الواقعية بعضها مع بعض، كما في مثل قوله (1) لا شك لكثير الشك، حيث يكون حاكما على مثل قوله (2) ان شككت فابن على الأكثر، وأين هذا من حكومة أدلة الاحكام الظاهرية على أدلة الاحكام الواقعية؟ واجمال الفرق بينهما - وان كان تفصيله موكولا إلى محله - هو ان الحكمين اللذين تكفلهما الدليل الحاكم والدليل المحكوم في الأدلة الواقعية انما يكونان عرضيين، بان يكونا مجعولين في الواقع في عرض واحد، لان الحكومة بمنزلة التخصيص، وحكم الخاص انما يكون مجعولا واقعيا في عرض جعل الحكم العام من دون ان يكون بينهما طولية وترتب، فكان هناك حكم مجعول على كثير الشك، و حكم آخر مجعول على غير كثير الشك، وتسمية ذلك حكومة لا تخصيصا انما هو باعتبار عدم ملاحظة النسبة بين الدليلين، والا فنتيجة الحكومة التخصيص.
واما الحكومة في الأدلة الظاهرية، فالمجعول فيها انما هو في طول المجعول الواقعي وفى المرتبة المتأخرة عنه، خصوصا بالنسبة إلى الأصول التي اخذ الشك في موضوعها. وبعبارة أخرى: المجعول الظاهري انما هو واقع في مرتبة احراز الواقع و البناء العملي عليه بعد جعل الواقع وانحفاظه على ما هو عليه من التوسعة والتضييق، فلا يمكن ان يكون المجعول الظاهري موسعا أو مضيقا للمجعول الواقعي، مع أنه لم يكن في عرضه وليس هناك حكمان واقعيان مجعولان. ولتفصيل الكلام محل آخر، والغرض في المقام مجرد بيان ان الاحكام الظاهرية ليست موسعة للأحكام الواقعية ولا مضيقة لها، ولا توجب تصرفا في الواقع ابدا.