الأصول وموقعه، إذ لعله بذلك يظهر تعريفه وغايته.
فنقول: لا اشكال في أن العلوم ليست في عرض واحد، بل بينها ترتب و طولية، إذ رب علم يكون من المبادئ لعلم اخر، ولأجل ذلك دون علم المنطق مقدمة لعلم الحكمة، وكذلك كان علم النحو من مبادئ علم البيان، ومن الواضح ان جل العلوم تكون من مبادئ علم الفقه ومن مقدماته حيث يتوقف الاستنباط على العلوم الأدبية: من الصرف، والنحو، واللغة، وكذا يتوقف على علم الرجال، وعلم الأصول، ولكن مع ذلك ليست هذه العلوم في عرض واحد بالنسبة إلى الفقه، بل منها ما يكون من قبيل المقدمات الاعدادية للاستنباط، ومنها ما يكون من قبيل الجزء الأخير لعلة الاستنباط. وعلم الأصول هو الجزء الأخير لعلة الاستنباط بخلاف سائر العلوم، فإنها من المقدمات، حتى علم الرجال الذي هو أقرب العلوم للاستنباط، ولكن مع هذا ليس في مرتبة علم الأصول بل علم الأصول متأخر عنه، وعلم الرجال مقدمة له.
والحاصل ان علم الأصول يقع كبرى لقياس الاستنباط وسائر العلوم تقع في صغرى القياس. مثلا استنباط الحكم الفرعي من خبر الواحد يتوقف على عدة أمور فإنه يتوقف على معرفة معاني الألفاظ التي تضمنها الخبر، ويتوقف أيضا على معرفة أبنية الكلمات ومحلها من الاعراب ليتميز الفاعل عن المفعول والمبتدأ عن الخبر، و يتوقف أيضا على معرفة سلسلة سند الخبر وتشخيص رواته وتمييز ثقتهم عن غيره، و يتوقف أيضا على حجية الخبر، ومن المعلوم: ان هذه الأمور مترتبة من حيث دخلها في الاستنباط حسب ترتبها في الذكر والمتكفل لاثبات الامر الأول هو علم اللغة، ولاثبات الثاني هو علم النحو والصرف، ولاثبات الثالث هو علم الرجال، و لاثبات الرابع الذي به يتم الاستنباط هو علم الأصول، فرتبة علم الأصول متأخرة عن جميع العلوم، ويكون كبرى لقياس الاستنباط. فيقال: الشئ الفلاني مما قام على وجوبه خبر الثقة، وكلما قام على وجوبه خبر الثقة يجب، بعد البناء على حجية خبر الواحد الذي هو نتيجة البحث في مسألة حجية خبر الواحد، فيستنتج من تأليف