لو ثبت التكليف بهما بالدليل الاجتهادي لكان بينهما التزاحم ويرجح الأهم على غيره، فكذا لو ثبت التكليف بهما بالاستصحاب فبالاستصحاب ثبت وجوب الأهم وغير الأهم في زمان الشك، فلا إشكال في الترجيح، ولا موقع لهذا التوهم الذي تعرض له في الحاشية، ودفعه بهذا البيان الذي نقلناه، لأن الأهمية إنما هي في ناحية المدلول ولا اعتبار فيها بوحدة الدليل وتعدده.
وإن كان للعلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما فإن كانت النسبة بينهما سببية ومسببية، بأن كان المستصحب في أحدهما من الآثار الشرعية للآخر، والشك فيه ناشئا عن الشك فيه، فلا إشكال في تقديم الاستصحاب الجاري في ناحية السبب على الاستصحاب الجاري في ناحية المسبب؛ فإنه إذا شك في طهارة ماء قليل ونجاسته مع العلم بطهارته سابقا، وغسل به الثوب النجس على وجه الصب عليه، لا على وجه الغمس فيه، فالشك في طهارة الثوب بعد الغسل ونجاسته مسبب عن الشك في نجاسة الماء وطهارته، ومن آثار طهارته شرعا زوال النجاسة عن الثوب المغسول به، فيجري الاستصحاب بالنسبة إلى الماء ويزول به الشك في ناحية المسبب، وإن خالف فيه بعض فحكم بتعارض الاستصحابين وتساقطهما، وبعض آخر فحكم بالجمع بينهما والعمل بكل منهما في مورده، وثالث فحكم بالتعارض بينهما وإعمال المرجحات وإلا فالتخيير.
وهذه المسألة المعنونة في كلام الفاضل النراقي المبتدع لها بمسألة المزيل والمزال، واستدلوا على المختار فيها، وهو تقديم الأصل الجاري في ناحية السبب على الأصل الجاري في ناحية المسبب بوجوه، ربما تزيد على العشرة.
والعمدة منها: هو أن إجراء الاستصحاب في ناحية السبب والحكم بطهارة الماء في المثال يوجب زوال الشك في نجاسة الثوب وطهارته، وعدم رفع اليد عن اليقين بنجاسته بالشك في طهارته، بل باليقين بطهارته، لغسله بماء حكم الشارع بطهارته، فيكون مثل ما لو غسل بماء متيقن الطهارة، في أن رفع اليد عن نجاسة الثوب ليس نقضا لليقين بالشك، بل باليقين.