(1) أقول: إن من أمعن نظره في استعمالهم للصحيح في أكثر المواضع التي ذكرها عرف أنه ناشئ من قلة التدبر، وواقع في غير محله، إذ هو (2) نقض للغرض المطلوب من تقسيم الخبر إلى الأقسام الأربعة، وتضييع لاصطلاحهم على إفراد كل قسم منها باسم يتميز (3) عن غيره من الأقسام.
والأصل فيه على ما ظهر لي، أن بعض المتقدمين من المتأخرين أطلق الصحيح على ما فيه إرسال، أو قطع، نظرا منه إلى ما اشتهر بينهم من قبول المراسيل التي لا يرويها (4) مرسلها إلا عن ثقة، فلم ير إرسالها منافيا لوصف الصحة. وستعرف أن جمعا من الأصحاب توهموا القطع في أخبار كثيرة ليست بمقطوعة، فربما اتفق وصف بعضها بالصحة في كلام (5) من لم يشاركهم في توهم القطع، ورأي ذلك من لم يتفطن للوجه فيه فحسبه اصطلاحا واستعمله على غير وجهه، ثم زيد عليه استعماله فيما اشتمل على ضعف (6) ظاهر من حيث مشاركته للارسال والقطع في منافاة الصحة بمعناه (7) الأصلي، فإذا لم يمنع وجود ذينك المنافيين من إطلاق الصحيح في الاستعمال الطارئ فكذا (ما) (8) في معناهما. وجرى هذا الاستعمال بين المتأخرين وضيعوا به الاصطلاح.
هذا، وما استشهد به والدي - رحمه الله - في المقام من الخلاصة وغيرها لا يصلح شاهدا، فإن الغرض منه بيان حال الطريق (9) إلى الجماعة المذكورين لا عنهم، وإن وقعت العبارة فيه بكلمة (عن) في الأغلب وذلك واضح لمن نظر.