(وأما ثالثا: فلان منع الاضطراب الواقع على الوجه المذكور في كلام العامة من صحة الخبر وقبوله أمر واضح، لدلالته على عدم الضبط الذي هو شرط فيهما، وبهذا عللوا اقتضاء الاضطراب ضعف الخبر، ولا ريب فيه. كما لا شك في عدم وقوع مثله في أخبارنا لا سيما السليمة من الضعف بغيره، فالبحث عن حكمه وبيان منعه من الصحة لا طائل تحته.
وأما ما يقع منه على الوجه الذي ذكره والدي - رحمه الله - وخصوصا المصرح به في بعض كتبه الفقهية، فدعوى منعه من الصحة والقبول لا يساعد عليهما (1) اعتبار عقلي ولا دليل نقلي، وقد أحال معرفة وجه المانعية فيما ذكره في الكتب الفقهية على ما تقرر في علم الدراية، فعلم أنه توهم، وربما أعان عليه ما يتفق في كلام الشيخ من رد بعض الأخبار الضعيفة معللا باختلاف رواية الراوي له، ويكون ذلك واقعا في الاسناد على وجهين، والشيخ يطالب (2) بدليل ما ذكره إن كان يريد من التعليل حقيقته.
نعم يتفق كثيرا في أخبارنا المتكررة وقوع الاختلاف في أسانيدها بإثبات واسطة وتركها، ويقوى في النظر أن أحدهما غلط من الناسخين، فيجب التصفح (3) لمظان وجود مثله، ليعثر (4) على ما يوافق (5) أحد الامرين بكثرة، فيترجح لا محالة به.
وما أظن وقوع الاختلاف على هذا النحو في طرق أخبارنا إلا ويمكن التوصل إلى معرفة الراجح فيه بما أشرنا إليه من الطريق، ولكنه يفتقر في الأغلب إلى كثرة التفحص والتصفح، وإذا كان احتمال الغلط في النسخ مرجوحا في نظر الممارس المطلع على طبقات الرواة، حكم لكل من الطريقين المختلفين بما يقتضيه ظاهره، من صحة وغيرها، أو (6) لا يؤثر هذا الاختلاف شيئا، لان رواية الحديث بالواسطة تارة وبعد مهما أخرى أمر ممكن في نفسه، غير مستبعد بحسب الواقع ولا مستنكر. واستبعاد رواية الراوي بواسطة هو مستغن