(تصحيح الاخبار عند القدماء) وأقول (تفصيل القول في بيان المتقدمين):
إن مدار عمل السابقين الأولين في الخبر على ما غلب الظن بصدقه، وحصل الوثوق بصدوره، إما برواية العدل، أو بالرجوع إلى أصل معتمد، أو باشتهار العمل به فيما بين الطائفة، وغير ذلك من القرائن المفيدة لسكون النفس حسب ما استقامت عليه طريقة الناس في التعويل على الاخبار.
ثم إن المتأخرين منهم لما اجتمع إليهم من الأصول والكتب ما لم يجتمع لغيرهم - حتى إن ما بقي من كتب السيد بعد أن اختار الوزراء والامراء وأرباب الدولة الاجلاء كان ثمانين ألف كتاب، وكا يصحبه إذا سافر حمل ثمانين بعيرا، ووجدوا فيها اختلافا كثيرا، ولم يكن غرضهم مجرد الرواية والنقل كما مضى عليه الأولون بل تعرف أحكام الشريعة وما يقيم العذر بين يدي الله عز وجل في العمل والافتاء والقضاء، ويجري على ما وصف الصادقون في العمل بهذه الاخبار، من العرض، والترجيح، والتروي في الامر، مع ترادف الآيات وتضافر الروايات في المنع من الاخذ بالظنة والقول بغير العلم - أعرض ناس عن أخبار الآحاد كالسيد واتباعه واقتصروا على المتواتر وما في حكمه من المقرون بأحد القرائن الأربع، وكان التواتر يومئذ غير عزيز، حتى قال السيد في التبانيات:
(إن أكثر أخبارنا متواترة) (1).
وحبس آخرون نفوسهم على الاخذ بما يحصل به الوثوق (2) من الكتب المعتمدة، كأصول من أجمعت لهم العصابة (3) كالستة الأوائل (4) والأواسط (5)، والأواخر (6).