وقال أبو عبيد: " شرائع القرآن كلها إنما نزلت جملا حتى فسرتها السنة.
فعلى هذا كان أخذه (صلى الله عليه وآله وسلم) الجزية من العجم كافة، إن كانوا أهل كتاب أو لم يكونوا، وتركه أخذها من العرب إلا أن يكونوا أهل كتاب. فلما فعل ذلك استدللنا بفعله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن الآية التي نزل فيها شرط الكتاب على أهل الجزية إنما كانت خاصة للعرب، وأن العجم يؤخذ منهم الجزية على كل حال.
ومما يبين ذلك إجماع الأمة على قبولها من الصابئين بعده وليس يشهد لهم القرآن بكتاب... " (١).
ويمكن أن يقال: إن ذكر الصابئين في الكتاب العزيز في عداد اليهود والنصارى والمجوس لعله يدل على تمايزهم عن سائر الكفار، وأنه كان يوجد لدينهم وجهة حق وارتباط بالوحي السماوي إما لإرتباطهم بأحد الأنبياء السابقين ويعدون لذلك من أهل الكتاب، أو لكونهم من إحدى الفرق الثلاث وإنما ذكروا بالخصوص من باب ذكر الخاص بعد العام لرفع الشبهة.
قال الله - تعالى -: ﴿إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة...﴾ (2).
وكيف كان فإن ثبت أن الصابئين من أهل الكتاب أو أنهم ليسوا من أهل الكتاب فلا إشكال.
وأما مع احتمال كونهم منهم فالأحوط تحقيق حالهم بالرجوع إلى علمائهم وكتبهم، فإن بقي الشك فالأحوط إقرارهم على دينهم وأخذ الجزية منهم حفظا للدماء، ويشكل الحكم بجواز قتلهم.