نظام الحكم في الإسلام - الشيخ المنتظري - الصفحة ٥٤٣
الدولة الإسلامية العادلة على البقاء تحت لواء الحكومات المسيحية الدارجة المستكبرة (1).
(١) حيث لم يكن كل أفراد المجتمع مشتركا في الدين والاعتقاد ولا يمكن إجبار الكل على الانتحال بدين واحد فلا محالة توجد فرق غير مسلمة في مجتمع المسلمين سواء كانت منتحلة بدين سماوي كاليهود والنصارى أو منتحلة بدين أرضي كالهنود والبوذيين والماركسيين أو مشتبهة كالمجوس.
والمنتسبون بهذه الأديان يمكن أن يكونوا متفرقين في البلد الإسلامي أو يكونوا مجتمعين في قطعة منه أو في أرضهم التي تكون في وسط أراضي المسلمين أو في حاشيتها.
وفي جميع هذه الصور يمكن أن يريدوا تعايشا سلميا مع المسلمين وفي ظل حكومتهم والتمتع بمزاياها كالأمن من تعديات أعداء خارجية أو أشرار داخلية، فلابد وأن يتقبلوا ضرائب مالية بعد الحوار على كميتها وكيفيتها واسمها والعقد على ذلك.
فيمكن أن تكون على نحو يؤدوه المسلمون وباسمه يعني الزكاة والخمس والخراج أو بنحو آخر واسم آخر.
ومن آثار هذا التعايش السلمي أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم كما ورد في بعض الروايات. وتصور هذه الحالة إذا لم تكن مسبوقة بالحرب والقتال والنزاع.
يستفاد ذلك من عموم الآيات والأخبار الآتية:
١ - قوله - تعالى -: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم...) (الممتحنة ٦٠: ٨٠).
٢ - قوله - تعالى -: (وقولوا للناس حسنا) (البقرة ٢: ٨٣).
٣ - قوله - تعالى -: (وان جنحوا للسلم فاجنح لها..) (الأنفال ٨: ٦١).
٤ - ما في كتاب علي (عليه السلام) لمالك: " وأشعر قلبك الرحمة للرعية... ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق... " (نهج البلاغة، عبده: ٣، ٩٣، صالح: ٤٢٧).
٥ - ما في كتاب الغارات بسنده، قال: " بعث علي (عليه السلام)محمد بن أبي بكر أميرا على مصر، فكتب إلى علي (عليه السلام) يسأله عن... زنادقة فيهم من يعبد الشمس والقمر وفيهم من يعبد غير ذلك... فكتب إليه علي (عليه السلام): "... وأمره في الزنادقة أن يقتل من كان يدعي الإسلام، ويترك سائرهم يعبدون ما شاؤوا ". وسيأتي الخبر (الغارات: ١، ٢٣٠، الوسائل: ١٨، ٤١٥).
٦ - ما في كتاب الرضا (عليه السلام) إلى المأمون، قال: " لا يحل (لا يجوز - العيون) قتل أحد من النصاب والكفار في دار التقية إلا قاتل أو ساع في فساد. وذلك إذا لم تخف على نفسك وعلى أصحابك ".
٧ - سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في معاهداته مع الكفار والمشركين مثل ما أشار إليه في المتن من مكاتبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأهل نجران، وصلحه (صلى الله عليه وآله وسلم) مع مشركي قريش عام الحديبية. وغير ذلك مما ورد في التواريخ.
وأما إذا لم يبق للتعايش السلمي معهم مجال لنقضهم العهد ولتعديهم إلى المسلمين فبعد المفاوضة لحل الخلاف ودعائهم إلى الحق والمسالمة، فإن قبلوا المهادنة نهادنهم لمدة معينة كما صالح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مشركي قريش عام الحديبية.
وإن لم يقبلوا ودخلوا في الحرب نقاتلهم لقوله - تعالى -: (قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم...) (البقرة ٢: ١٩٠) ولقوله - تعالى -: (وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطو الجزية عن يد وهم صاغرون) (التوبة ٩: ٢٩). وغير ذلك من الآيات.
وإذا استمروا في الحرب وصاروا مغلوبين فللغالب أن يعاملهم بما يراه صلاحا للإسلام والمسلمين، فيتملك أراضيهم ويخرجهم منها، أو يبقيهم فيها ويتقبلها بهم ويأخذ منهم الخراج أو الجزية، أو يبقى الأراضي في ملكهم ويأخذ منهم الجزية أو غير ذلك.
فالجزية ضريبة على من غلب في الحرب ومن آثاره (راجع آثار الحرب للدكتور وهبة الزحيلي: ٦٩٣).
وعلى هذا توضع على من كان له دور في الحرب وتسقط عمن لم يكن له دور كالنساء والولدان والشيوخ الهرمى وأهل الصوامع كما ورد في الروايات. فليست عوضا عن الزكاة والخمس والخراج الموضوعة على المسلمين لإدارة شؤون الملك وإلا فلا وجه لوضعها عن الأصناف المذكورة، لأن مخارج الدولة تكون على كل من يستفيد من خدماتها بلا فرق بين النساء والولدان والشيوخ وغيرهم. ولا بين المسلم والكافر. نعم من لا مال له ولا كسب ولا قدرة عليه يستثنى من الأداء، بل يجب على الدولة إدارة شؤونه - م -.